(وأنه) أي وأوحي إليَّ أن الشأن (لما قام عبد الله) وهو النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل نبي الله أو رسول الله لأنه من أحب الأسماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ولأنه لما كان واقعاً في كلامه صلى الله عليه وسلم عن نفسه جيء به على ما يقتضيه التواضع؛ أو لأن عبادة عبد الله المستفادة من قوله:
(يدعوه) ليست بمستبعدة؛ ثم كان وقوع هذا الأمر ببطن نخل على ما قاله المحلي؛ وقال الحفناوي سياق هذه الآية إنما يظهر في المرة الثانية من مرَّتي الجن وهي التي كانت بحجون مكة؛ وكان معه فيها ابن مسعود وكان الجن إثني عشر ألفاً أو أكثر، وأما المرة الأولى التي تقدم الكلام فيها التي كانت ببطن نخل فكانوا فيها تسعة أو سبعة ولا يظهر في حقهم أن يقال (كادوا يكونون عليه لبداً) كما لا يخفى فليتأمل اهـ.
ومعنى الآية أنه لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويتلو القرآن كاد الجن أن يكونوا عليه صلى الله عليه وسلم متراكمين من ازدحامهم عليه لسماع القرآن منه؛ قال الزجاج: ومعنى لبداً يركب بعضهم بعضاً؛ ومن هذا اشتقاق هذه اللبود التي تفرش. قرأ الجمهور لبداً بكسر اللام وفتح الباء وقرىء بضم اللام وفتح الباء وبضم الباء واللام وبضم اللام وتشديد الباء مفتوحة فعلى القراءة الأولى المعنى ما ذكرناه وعلى الثانية المعنى كثيراً كما في قوله:
(أهلكت مالاً لبداً) وقيل المعنى كاد المشركون يركب بعضهم بعضاً حرداً على النبي صلى الله عليه وسلم وقال الحسن وقتادة وابن زيد: لما قام عبد الله محمد بالدعوى تلبدت الجن والإنس على هذا الأمر ليطفئوه فأبى الله إلا أن ينصره ويتم نوره، واختار هذا ابن جرير.
قال مجاهد: لبداً أي جماعات وهو من تلبد الشيء أي اجتمع، ومنه اللبد الذي يفرش لتراكم صوفه وكل شيء ألصقته الصاقاً شديداً فقد لبدته، ويقال للشعر الذي على ظهر الأسد لبدة وجمعها لبد، ويقال للجراد الكثير لبد ويطلق اللبد بضم اللام وفتح الباء على الشيء الدائم، ومنه قيل لنسر لقمان لبد لطول بقائه.
وعن ابن مسعود قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة إلى نواحي مكة فخط لي خطاً وقال لا تحدثن شيئاًً حتى آتيك؛ ثم قال لا يهولنك شيء تراه؛ فتقدم شيئاًً ثم جلس فإذا رجال سود كأنهم رجال الزط وكانوا كما قال الله تعالى (كادوا يكونون عليه لبداً) أخرجه ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل ".
وعن ابن عباس في الآية قال: " لما سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن كادوا يركبونه من الحرص لما سمعوه ودنوا منه فلم يعلم بهم حتى أتاه الرسول فجعل يقرئه (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) أخرجه ابن جرير وابن مردويه.
وعنه في الآية قال: " لما أتى الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بأصحابه يركعون بركوعه وشمجدون بسجوده فعجبوا من طواعية أصحابه، فقالوا لقومهم لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً " أخرجه عبد بن حميد والحاكم والترمذي وصححاه وغيرهم؛ وعنه قال لبداً أي أعواناً.
{"ayah":"وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ یَدۡعُوهُ كَادُوا۟ یَكُونُونَ عَلَیۡهِ لِبَدࣰا"}