(ثم) أي بعد الأخذ لأهل القرى (بدلنا) هم (مكان السيئة) التي أصبناهم بها من البلاء والامتحان الخصلة (الحسنة) فصاروا في خير وسعة وأمن وصحة، وقال ابن عباس أي مكان الشدة الرخاء قال أهل اللغة السيئة كل ما يسوء صاحبه، والحسنة كل ما يستحسنه الطبع والعقل، فأخبر الله في هذه الآية بأنه يؤاخذ أهل المعاصي والكفر تارة بالشدة وتارة بالرخاء على سبيل الاستدراج.
(حتى عفوا) يقال عفا النبات إذا كثر وتكاثف ومنه إعفاء اللحى، واللحى بالضم والكسر كما في كتاب العين، وعفا درس فهو من الأضداد والمراد هنا أنهم كثروا عدداً وعُدداً.
(وقالوا) عند أن صاروا في الرخاء بعد الشدة (قد مس آباءنا الضراء والسراء) أي إن هذا الذي مسنا من البأساء والضراء ثم من الرخاء والخصب من بعد هو أمر وقع لآبائنا قبلنا مثله، فمسّهم من البأساء والضراء ما مسنا ومن النعمة والخير ما نلناه، ومرادهم أن هذه العادة الجارية في السلف والخلف، وإن ذلك ليس من الله سبحانه ابتلاء لهم واختباراً لما عندهم.
وفي هذا من شدة عنادهم وقوة تمردهم وعتوهم ما لا يخفى، ولهذا عاجلهم الله بالعقوبة ولم يمهلهم كما قال (فأخذناهم بغتة) أي فجأة عقب أن قالوا هذه المقالة من دون تراخ ولا إمهال ليكون ذلك أعظم لحسرتهم، والمراد من ذكر هذه القصة أن يعتبر من سمعها فينزجر (وهم لا يشعرون) بذلك العذاب النازل بهم ولا يترقبونه.
{"ayah":"ثُمَّ بَدَّلۡنَا مَكَانَ ٱلسَّیِّئَةِ ٱلۡحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوا۟ وَّقَالُوا۟ قَدۡ مَسَّ ءَابَاۤءَنَا ٱلضَّرَّاۤءُ وَٱلسَّرَّاۤءُ فَأَخَذۡنَـٰهُم بَغۡتَةࣰ وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ"}