(ولله الأسماء) ذكر ذلك في أربع سور في القرآن: أولها هذه السورة، وثانيها في آخر بني إسرائيل، وثالثها في أول طه، ورابعها في آخر الحشر، وهذه الآية مشتملة على الإخبار من الله سبحانه بما له من الأسماء على الجملة دون التفصيل، و (الحسنى) تأنيث الأحسن أي التي هي أحسن الأسماء لدلالتها على أحسن مسمى وأشرف مدلول، وقيل الحسنى مصدر وصف به كالرجعى وأفرده كما أفرد وصف ما لا يعقل.
وقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وأبو عوانة وابن جبير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مسنده وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة أنه وتر يحب الوتر [[مسلم/2677.]]، وفي لفظ ابن مردويه وأبي نعيم من دعا بها استجاب الله دعاءه، وزاد الترمذي في سننه بعد قوله يحب الوتر هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، إلى قوله الصبور، وهي معروفة، هكذا أخرج الترمذي هذه الزيادة عن أبي هريرة مرفوعة وقال هذا حديث غريب، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة ولا يعلم في كثير شيء من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث.
قال ابن كثير في تفسيره والذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء مدرج في هذا الحديث وأنهم جمعوها من القرآن، ثم قال: ليعلم أن الأسماء الحسنى ليست منحصرة في التسعة والتسعين بدليل ما رواه أحمد في مسنده عن ابن مسعود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: [ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، الحديث .. ] وقد أخرجه أبو حاتم وابن حبان في صحيحه بمثله انتهى [[ابن كثير 2/ 269.]].
وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات قال النووي: اتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما المقصود أن من أحصاها دخل الجنة فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء انتهى.
قال ابن حزم جاءت في إحصائها يعني الأسماء الحسنى أحاديث مضطربة لا يصح منها شيء أصلاً وقد أخرجها بهذا العدد الذي أخرجه الترمذي ابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس وابن عمر قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فذكراه ولا أدري كيف إسناده.
وعن أبي جعفر محمد بن الصادق قال: هي في القرآن ثم سردها سورة فسورة.
وقد ذكر ابن حجر في التلخيص أنّه تتبعها من الكتاب العزيز إلى أن حررها منه تسعة وتسعين ثم سردها ويؤيد هذا ما أخرجه أبو نعيم عن ابن عباس وابن عمر قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لله تسعة وتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنة وهي في القرآن.
وقد أطال أهل العلم الكلام على الأسماء الحسنى حتى أن ابن العربي في شرح الترمذي حكى عن بعض أهل العلم أنه جمع من الكتاب والسنة من أسماء الله ألف اسم، ومعنى أحصاها حفظها، قاله البخاري وبه قال أكثر المحققين ويعضده الرواية الأخرى من حفظها دخل الجنة، وقيل العدد أي عدها في الدعاء بها وقيل المعنى من أطاقها وأحسن المراعاة لها وقيل أحضر بباله عند ذكرها معناها وتفكر في مدلولها والأول أولى، وقد ذكر الرازي في هذا المقام بحثاً في أن الإسم عين المسمى أو غيره وهو مما لم يكلف الله به عباده.
وفي قوله: (فادعوه بها) دليل على أن أسماء الله سبحانه توقيفية لا اصطلاحية والمعنى سموه به وأجروها عليه واستعملوها فيه دعاء ونداء وغير ذلك فلا تسموه بغيرها مما لم يرد إطلاقه عليه تعالى، أمرهم بأن يدعوه بها عند الحاجة فإنه إذا دعي بأحسن أسمائه كان ذلك من أسباب الإجابة.
(وذروا الذين يلحدون) الإلحاد الميل والانحراف وترك القصد، يقال لحد الرجل في الدين وألحد إذا مال، ومنه اللحد في القبر لأنه في ناحيته قال ابن عباس: الإلحاد التكذيب، وقال عطاء: هو المضاهاة، وقال الأعمش: يدخلون فيها ما ليس منها وقال قتادة: يشركون.
والإلحاد (في أسمائه) سبحانه يكون على ثلاثة أوجه.
إما بالتغيير كما فعله المشركون فإنهم أخذوا اسم اللات من الله والعزى من العزيز ومناة من المنان قاله ابن عباس ومجاهد.
أو بالزيادة عليها بأن يخترعوا أسماء من عندهم لم يأذن الله بها قال أهل المعاني: هو تسميته بما لم يسم به نفسه ولم يرد فيه نص من كتاب ولا سنة، لأن أسماءه كلها توقيفية فلا يجوز فيها غير ما ورد في الشرع بل يدعوه بأسمائه التي وردت في الكتاب والسنة على وجه التعظيم [[قال ابن العربي: " فحذار منها، ولا يدعون أحدكم إلا بما في كتاب الله والكتب الخمسة، وهي البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي. فهذه الكتب التي يدور الإسلام عليها، وقد دخل فيها ما في الموطأ الذي هو أصل التصانيف، وذروا ما سواها، ولا يقولن أحدكم اختار دعاء كذا وكذا، فإن الله قد اختار له وأرسل بذلك إلى الخلق رسوله صلى الله عليه وسلم. (ذكره القرطبي في 7/ 321).]].
أو بالنقصان منها بأن يدعوه ببعضها دون بعض ولا يسميه باسم لا يعرف معناه ولا باسم فيه من الغرابة والمعنى أتركوهم لا تحاجوهم ولا تعرضوا لهم. وعلى هذا المعنى فالآية منسوخة بآيات القتال وقيل معناه الوعيد كقوله تعالى: (ذرني ومن خلقت وحيداً) وقوله: (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا) وهذا أولى لقوله: (سيجزون ما كانوا يعملون) فإنه وعيد لهم بنزول العقوبة وتحذير للمسلمين أن يفعلوا كفعلهم.
وقد ذكر مقاتل وغيره من المفسرين أن هذه الآية نزلت في رجل من المسلمين كان يقول: في صلاته يا رحمن يا رحيم فقال رجل من المشركين: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون رباً واحداً فما بال هذا يدعو ربين اثنين حكى ذلك القرطبي [[وقد روى مقاتل: أن رجلاً دعا الله في صلاته ودعا الرحمن فقال أبو جهل: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون رباً واحداً فما بال هذا يداعونني فنزلت الآية.]].
وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182)
{"ayah":"وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُوا۟ ٱلَّذِینَ یُلۡحِدُونَ فِیۤ أَسۡمَـٰۤىِٕهِۦۚ سَیُجۡزَوۡنَ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ"}