(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ) وهن الكبار اللاتي قد انقطع حيضهن وأيسن منه عن أبيّ بن كعب أن ناساً من أهل المدينة لما نزلت هذه الآية في البقرة في عدة النساء قالوا: لقد بقي من عدة النساء عدد لم يذكر في القرآن الصغار والكبار اللاتي قد انقطع حيضهن، وذوات الحمل، فأنزل الله هذه الآية.
(إن ارتبتم) أي شككتم وجهلتم كيف عدتهن وما قدرها، وقيل معناه إن تيقنتم، ورجح ابن جرير أنه بمعنى الشك وهو الظاهر، قال الكرخي صفة كاشفة لأن عدتهن ذلك، سواء وجد شك أم لا، قال الزجاج: إن ارتبتم في حيضها وقد انقطع عنها الحيض وكانت ممن تحيض مثلها، وقال مجاهد: إن ارتبتم يعني لم تعلموا عدة الآيسة والتي لم تحض.
(فعدتهن ثلاثة أشهر) وقيل: المعنى إن ارتبتم في الدم الذي يظهر منها هل هو حيض أم لا؟ بل استحاضة؟ فالعدة هذه، وقيل: إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ اليأس، وقد قدروه بستين سنة أو بخمس وخمسين، فعدتهن هذه، وهذا قول عثمان وعلي وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وبه قال عطاء وإليه ذهب الشافعي وأصحاب الرأي، وقال عمر: إنها تتربص تسعة أشهر، وقال الحسن سنة فإن لم تحض فتعتد بثلاثة أشهر فإذا كانت هذه عدة المرتاب بها فغير المرتاب بها أولى بذلك.
(واللائي لم يحضن) لصغرهن وعدم بلوغهن سن المحيض، أو لأنهن لا حيض لهن أصلاً وإن كن بالغات، قاله الخطيب. أي فعدتهن ثلاثة أشهر أيضاًً، وحذف هذا لدلالة ما قبله عليه، والأولى أن يقدر مفرداً أي فكذلك أو مثلهن، ولو قيل: إنه معطوف على اللائي يئسن عطف المفردات وأخبر عن الجميع بقوله: فعدتهن لكان وجهاً حسناً وأكثر ما فيه توسط الخبر بين المبتدأ وما عطف عليه، وهذا ظاهر قول الشيخ أبي حيان.
(وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) أي انتهاء عدتهن وضع الحمل وظاهر الآية أن عدة الحوامل بالوضع سواء كن مطلقات أو متوفي عنهن أزواجهن، وعمومها باق فهي مخصصة لآية يتربصن بأنفسهن، أي ما لم يكن حوامل، وإنما لم يعكس لأن المحافظة على عموم هذه الآية أولى من المحافظة على عموم تلك، لأن أزواجاً في آية البقرة عمومه بدلي، لا يصلح لجميع الأفراد في حال واحد، لأنه جمع منكر في سياق الإثبات، وأما أولات الأحمال فعمومه شمولي، لأن الموصول من صيغ العموم، وأيضاًً الحكم هنا معلل بوصف الحملية بخلاف ما هناك، وأيضاًً هذه الآية متأخرة في النزول عن آية البقرة فتقديمها على تلك تخصيص، وتقديم تلك فيما لو عمل بعمومها رفع لما في الخاص من الحكم، فهو نسخ، والتخصيص أولى منه، وقد تقدم الكلام على هذا في سورة البقرة مستوفى، وحققنا البحث في هذه الآية وفي الآية الأخرى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً).
" عن أبيّ بن كعب في الآية قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أهي المطلقة ثلاثاً؟ أو المتوفى عنها؟ قال هي المطلقة ثلاثاً والمتوفى عنها ".
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند، وأبو يعلى وغيرهما.
" وروي بوجه آخر مرفوعاً عنه، وعن ابن مسعود أنه بلغه أن علياً قال: تعتد آخر الأجلين فقال: من شاء لاعنته إن الآية التي في سورة النساء القصري نزلت بعد سورة البقرة (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) بكذا وكذا شهراً وكل مطلقة أو متوفى عنها زوجها فأجلها أن تضع حملها "، وروي منه نحو هذا من طرق، وبعضها في صحيح البخاري، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما.
" من حديث أم سلمة أن سبيعة الأسلمية توفي عنها زوجها وهي حبلى فوضعت بعد موته بأربعين ليلة، فخطبت فأنكحها صلى الله عليه وسلم " وفي الباب أحاديث.
(ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً) أي من يتقه في امتثال أوامره واجتناب نواهيه، يسهل عليه أمره في الدنيا والآخرة، وقال الضحاك: من يتق الله في اجتناب معاصيه يجعل له من أمره يسراً في توفيقه للطاعة
{"ayah":"وَٱلَّـٰۤـِٔی یَىِٕسۡنَ مِنَ ٱلۡمَحِیضِ مِن نِّسَاۤىِٕكُمۡ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَـٰثَةُ أَشۡهُرࣲ وَٱلَّـٰۤـِٔی لَمۡ یَحِضۡنَۚ وَأُو۟لَـٰتُ ٱلۡأَحۡمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن یَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ وَمَن یَتَّقِ ٱللَّهَ یَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ یُسۡرࣰا"}