(وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) أي خلقها للاهتداء بها في ظلمات الليل عند المسير في البحر والبر، وإضافة الظلمات إلى البر والبحر لكونها ملابسة لهما أو المراد بالظلمات اشتباه طرقهما التي لا يهتدى فيها إلا بالنجوم، وهذه إحدى منافع النجوم التي خلقها الله لها ومنها ما ذكره الله في قوله: (وحفظاً من كل شيطان مارد) (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين) ومن زعم غير هذه الفوائد فقد أعظم على الله الفرية.
وقيل يستدلون بها أيضاً على القبلة على ما يريدون في النهار بحركة الشمس، وفي الليل بحركة الكواكب، وعن عمر بن الخطاب قال: تعلموا من النجوم ما تهتدون به في بركم وبحركم ثم أمسكوا فإنها والله ما خلقت إلا زينة للسماء ورجوماً للشياطين وعلامات يهتدى بها، وعن قتادة نحوه.
وأخرج ابن مردويه والخطيب عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم انتهوا " [[ضعيف الجامع الصغير 2455.]]، وقد ورد في استحباب مراعاة الشمس والقمر لذكر الله سبحانه لا لغير ذلك أحاديث منها عند الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أحب عباد الله إلى الله الذين يراعون الشمس والقمر لذكر الله "، وعند ابن شاهين والطبراني والخطيب وأحمد عن ابن أبي أوفى وأبي الدرداء وأبي هريرة نحوه.
وأخرج الحاكم في تاريخه والديلمي بسند ضعيف عن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ثلاثة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: التاجر الأمين والإمام المقتصد، وراعي الشمس بالنهار " [[ضعيف الجامع الصغير 2611.]]، وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن سلمان الفارسي قال: سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله فذكر منهم الرجل الذي يراعي الشمس لمواقيت الصلاة.
فهذه الأحاديث مقيدة بكون المراعاة لذكر الله والصلاة لا لغير ذلك، وقد جعل الله انقضاء وقت صلاة الفجر طلوع الشمس وأول صلاة الظهر زوالها، ووقت العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية، ووقت المغرب غروب الشمس، وورد في صلاة العشاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوقت مغيب القمر ليلة ثالث عشر، وبهما يعرف أوائل الشهور وأوساطها وأواخرها، فمن راعى الشمس والقمر لهذه الأمور فهو الذي أراده - صلى الله عليه وسلم - ومن راعاهما لغير ذلك فهو غير مراد بما ورد.
وهكذا النجوم ورد النهي عن النظر فيها كما أخرجه ابن مردويه والخطيب عن علي قال: نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النظر في النجوم، وعن أبي هريرة عندهما وعند المرهبي مثله مرفوعاً، وأخرج الخطيب عن عائشة مرفوعاً مثله.
وأخرج الطبراني والخطيب عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا " [[صحيح الجامع الصغير 559.]]، وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد " [[صحيح الجامع الصغير 595.]].
فهذه الأحاديث محمولة على النظر فيها لا عدا الاهتداء والتفكر والاعتبار وما ورد في جواز النظر في النجوم فهو مقيد بالاهتداء والتفكر والاعتبار كما يدل عليه حديث ابن عمر السابق، وعليه يحمل ما روي عن عكرمة أنه سأل رجلاً عن حساب النجوم، فجعل الرجل يتحرج أن يخبره فقال: سمعت ابن عباس يقول علم عجز الناس عنه ووددت أني علمته.
وقد أخرج أبو داود والخطيب عن سمرة بن جندب أنه خطب فذكر حديثاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " أما بعد فإن ناساً يزعمون أن كسوف هذه الشمس وكسوف هذا القمر، وزوال هذه النجوم عن مواضعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض، وأنهم قد كذبوا، ولكنها آيات من آيات الله يعبر بها عباده لينظر ما يحدث لهم من توبة " [[أحمد بن حنبل 5/ 16.]].
وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما في كسوف الشمس والقمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن يخوف الله بهما عباده ".
(قد فصلنا الآيات) أي بيناها بياناً مفصلاً ليكون أبلغ في الاعتبار (لقوم يعلمون) إن ذلك مما يستدل به على وجود الصانع المختار وكمال قدرته وعظمته وبديع صنعته وعلمه وحكمته.
{"ayah":"وَهُوَ ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهۡتَدُوا۟ بِهَا فِی ظُلُمَـٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ"}