(الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) أي هم الأحق بالأمن من الذين أشركوا، وقيل من تمام قول إبراهيم، وقيل هو من قول قوم إبراهيم، أقوال للعلماء وعليها تترتب الأعاريب التي ذكرها السمين في هذا المقام لا نطول بذكرها، والمعنى لم يخلطوه بظلم والمراد بالظلم الشرك وقد فسره به أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وحذيفة بن اليمان وسلمان الفارسي وأبي بن كعب وابن عباس.
وقد روي عن جماعة من التابعين مثل ذلك، ويغني عن الجميع في تفسير الآية ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا: أينا لم يظلم نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم " [[ابن كثير 2/ 152 - 153.]].
والعجب من صاحب الكشاف حيث يقول في تفسير هذه الآية وأبى تفسير الظلم بالكفر لفظ اللبس، وهو لا يدري أن الصادق المصدوق قد فسرها بهذا، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل.
وفي زاده على البيضاوي وذهب المعتزلة إلى أن المراد بالظلم في الآية المعصية لا الشرك بناء على أن خلط أحد الشيئين بالآخر يقتضي اجتماعهما ولا يتصور خلط الإيمان بالشرك لأنهما ضدان لا يجتمعان، وهذه الشبهة ترد عليهم بأن يقال كما أن الإيمان لا يجامع الكفر فكذلك المعصية لا تجامع الإيمان عندكم لكونه إسماً لفعل الطاعات واجتناب المعاصي، فلا يكون مرتكب الكبيرة مؤمناً عندكم انتهى.
والإشارة بقوله: (أولئك) إلى الموصول المتصف بما ذكر (لهم الأمن) يوم القيامة من عذاب النار، وفي الآية دليل على أن من مات لا يشرك بالله شيئاً كانت عاقبته الأمن من عذاب النار، والجملة وقدت خبراً عن اسم الإشارة هذا أوضح ما قيل مع احتمال غيره من الوجوه (وهم مهتدون) إلى الحق ثابتون عليه، وغيرهم على ضلال وجهل.
والإشارة بقوله:
{"ayah":"ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَلَمۡ یَلۡبِسُوۤا۟ إِیمَـٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ"}