(إن الذين يلحدون في آياتنا) أي يمليون عن الحق والاستقامة في آياتنا بالطعن والتحريف، والتأويل الباطل، واللغو فيها، والإلحاد الميل والعدول ومنه اللحد في القبر، لأنه أميل إلى ناحية منه، يقال: الحد في دين الله أي مال عنه وعدل، ويقال لحد وهو لغة فيه، وقد تقدم تفسير الإلحاد، ويقال: ألحد الحافر ولحد إذا مال عن الاستقامة فحفر في شق، فاستعير لحال الأرض إذا كانت ملحودة، فاستعير للانحراف في تأويل آيات القرآن عن جهة الصحة والاستقامة، قال مجاهد: معنى الآية يميلون عن الإيمان بالقرآن، وقال أيضاًً: يميلون عند تلاوة القرآن بالمكاء والتصدية، واللغو والغناء، وقال قتادة يكذبون في آياتنا، وقال السدي: يعاندون ويشاقون، وقال ابن زيد: يشركون، والمعاني متقاربة، وقال ابن عباس في الآية؛ هو أن يضع الكلام في غير موضعه.
(لا يخفون علينا) بل نحن نعلمهم فنجازيهم بما يعملون، قيل: نزلت في أبي جهل، ثم بين كيفية الجزاء والتفاوت بين المؤمن والكافر فقال: (أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) الاستفهام للتقرير، والغرض منه التنبيه على أن الملحدين في الآيات يلقون في النار، وأن المؤمنين بها يأتون آمنين يوم القيامة.
وظاهر الآية العموم اعتباراً بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهو تمثيل للكافر والمؤمن، وقيل: المراد بمن يلقى في النار أبو جهل، ومن يأتي آمناً النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل حمزة وقيل عمر بن الخطاب وقيل: أبو سلمة بن عبد الأسود المخزومي، وقال ابن عباس: أبو جهل ابن هشام ومن يأتي آمناً يوم القيامة أبو بكر الصديق. وعن بشير بن تميم قال: نزلت في أبي جهل وعمار بن ياسر، وعن عكرمة مثله، وكان الظاهر أن يقال أم من يدخل الجنة؟ وعدل عنه للتصريح بأمنهم، وانتفاء الخوف عنهم، قاله الكرخي. وترسم (أم) مفصولة من (من) اتباعاً للمصحف الإمام.
(اعملوا) هذا أمر تهديد، أي اعملوا من أعمالكم التي تلقيكم في النار (ما شئتم) فهو مجازيكم على كل ما تعملون، قال الزجاج: لفظه لفظ الأمر، ومعناه الوعيد، وقال ابن عباس: هذا لأهل بدر خاصة (إنه بما تعملون بصير) لا تخفى عليه منه خافية فيجازيكم عليه.
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ یُلۡحِدُونَ فِیۤ ءَایَـٰتِنَا لَا یَخۡفَوۡنَ عَلَیۡنَاۤۗ أَفَمَن یُلۡقَىٰ فِی ٱلنَّارِ خَیۡرٌ أَم مَّن یَأۡتِیۤ ءَامِنࣰا یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۚ ٱعۡمَلُوا۟ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرٌ"}