(إن الذين قالوا ربنا الله) وحده لا شريك له.
(ثم استقاموا) أي داموا وثبتوا على التوحيد ولم يلتفتوا إلى إله غير الله وثم للتراخي في الزمان من حيث أن الاستقامة أمر يمتد زمانه أفاده أبو السعود وقال الخطيب ثم لتراخي الرتبة في الفضيلة فإن الثبات على التوحيد ومصححاته إلى الممات في علو رتبته أمر لا يرام إلا بتوفيق ذي الجلال والإكرام قال جماعة من الصحابة والتابعين معنى الاستقامة إخلاص العمل لله تعالى.
وقال قتادة وابن زيد ثم استقاموا على طاعة الله وقال الحسن استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معاصيه وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى ماتوا وقال الثوري عملوا على وفاق ما قالوا وقال الربيع أعرضوا عما سوى الله وقال الفضيل بن عياض زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية.
عن أنس قال: " قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية قال: قد قالها ناس من الناس ثم كفر أكثرهم فمن قالها حين يموت فهو ممن استقام عليها " أخرجه الترمذي والنسائي والبزار وأبو يعلى وغيرهم وقال أبو بكر الصديق الاستقامة أن لا يشركوا بالله شيئاً وعنه قال لم يرجعوا إلى عبادة الأوثان قال أبو حيان قال ابن عباس نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق وعن بعض الصحابة قال ثم استقاموا على فرائض الله.
وعن عمر بن الخطاب قال: استقاموا بطاعة الله لم يروغوا روغان الثعلب وأخرج أحمد وعبد بن حميد والدارمي والبخاري في تاريخه ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان عن سفيان بن عبد الله الثقفي أن رجلاً قال: " يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك. قال: قل آمنت بالله ثم استقم. قلت: فما أتقي؟ فأومأ إلى لسانه [[مسلم 1/ 65 - السيوطي في الدر 5/ 363.]] " قال الترمذي: حسن صحيح.
(تتنزل عليهم الملائكة) من عند الله بالبشرى التي يريدونها من جلب نفع أو دفع ضر أو رفع حزن قال ابن زيد ومجاهد تتنزل عليهم عند الموت وقال مقاتل وقتادة إذا قاموا من قبورهم للبعث وقال وكيع البشرى في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث قال البيضاوي أو في حياتهم فيما يعرض لهم من الأحوال تأتيهم بما يشرح صدورهم ويدفع عنهم الخوف والحزن.
(أن لا تخافوا ولا تحزنوا) أن هي المخففة أو المفسرة أو الناصبة ولا على الوجهين الأولين ناهية وعلى الثالث نافية والمعنى لا تخافون مما تقدمون عليه من أمور الآخرة ولا تحزنوا على ما فاتكم من أمور الدنيا من أهل وولد ومال.
قال مجاهد لا تخافوا الموت ولا تحزنوا على أولادكم فإن الله خليفتكم عليهم وقال عطاء لا تخافوا رد ثوابكم فإنه مقبول ولا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم والظاهر عدم تخصيص تنزل الملائكة عليهم بوقت معين وعدم تقييد نفي الخوف والحزن بحالة مخصوصة كما يشعر به حذف المتعلق في الجميع والخوف غم يلحق النفس لتوقع مكروه في المستقبل والحزن غم يلحقها لفوات نفع في الماضي.
(وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) بها على ألسنة الرسل في الدنيا فإنكم واصلون إليها مستقرون بها خالدون في نعيمها ثم بشرهم سبحانه بما هو أعظم من ذلك كله فقال
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ قَالُوا۟ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَـٰمُوا۟ تَتَنَزَّلُ عَلَیۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ أَلَّا تَخَافُوا۟ وَلَا تَحۡزَنُوا۟ وَأَبۡشِرُوا۟ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِی كُنتُمۡ تُوعَدُونَ"}