الباحث القرآني
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)
(ومن يقتل مؤمناً متعمداً) أى قاصداً لقتله، لما بين سبحانه حكم القاتل خطأ بين حكم القاتل عمداً، وقد اختلف العلماء في معنى العمد فقال عطاء والنخعي وغيرهما: هو القتل بحديدة كالسيف والخنجر وسنان الرمح ونحو ذلك من المحدود، أو بما يعلم أن فيه الموت من ثقال الحجارة ونحوها [[زاد المسير 2/ 166.]].
وقال الجمهور: إنه كل قتل من قاتل قاصد للفعل بحديدة أو بحجر أو بعصا أو بغير ذلك، وقيده بعض أهل العلم بأن يكون بما يقتل مثله في العادة.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن القتل ينقسم إلى ثلاثة أقسام: عمد وشبه عمد وخطأ، واستدلوا على ذلك بأدلة ليس هذا مقام بسطها.
وذهب آخرون إلى أنه ينقسم إلى قسمين عمد وخطأ، ولا ثالث لهما، واستدلوا بأنه ليس في القرآن إلا القسمان، ويجاب عن ذلك بأن اقتصار القرآن على القسمين لا ينفي ثبوت قسم ثالث بالسنة وقد ثبت ذلك بالسنة.
(فجزاؤه جهنم خالداً فيها) أي فجُعل جزاؤه ذلك بكفره وارتداده أو حكم عليه بها، وهو الذي استثناه النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة عمّن أمّنه من أهلها فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة (وغضب الله عليه) لأجل كفره وقتله المؤمن متعمداً (ولعنه) طرده عن رحمته (وأعد له عذاباً عظيماً) في النار.
وقد جاءت هذه الآية بتغليظ عقوبة القاتل عمداً فجمع الله له فيها بين كون جهنم جزاء له أي يستحقها بسبب هذا الذنب، وبين كونه خالداً فيها، وبين غضب الله ولعنته له وإعداده له عذاباً عظيماً، وليس وراء هذا التشديد تشديد، ولا مثل هذا الوعيد وعيد.
وقد اختلف العلماء هل لقاتل العمد من توبة أم لا؟ فروى البخاري عن سعيد بن جبير قال: اختلف فيها علماء أهل الكوفة فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها فقال: نزلت هذه الآية (ومن يقتل مؤمناً متعمداً) وهي آخر ما نزل وما نسخها شيء، وقد روى النسائي عنه وعن زيد بن ثابت نحوه.
وممّن ذهب إلى أنه لا توبة له من السلف أبو هريرة وعبد الله بن عمرو وأبو سلمة وعبيد بن عمير والحسن وقتادة والضحاك بن مزاحم نقله ابن أبي حاتم عنه.
وذهب الجمهور إلى أن التوبة منه مقبولة واستدلوا بمثل قوله تعالى (إن الحسنات يذهبن السيئآت) وقوله (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) وقوله (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وقوله (وإني لغفار لمن تاب).
قالوا أيضاً: والجمع ممكن بين آية النساء هذه وآية الفرقان فيكون معناهما: فجزاؤه جهنم إلا من تاب لا سيما وقد اتحد السبب وهو القتل والموجب وهو التوعّد بالعقاب.
واستدلوا أيضاً بالحديث المذكور في الصحيحين عن عبادة بن الصامت أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: " تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " ثم قال: فمن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه [[مسلم 1709 - البخاري 18.]]، وبحديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم في صحيحه وغيره في الذي قتل مائة نفس.
وذهب جماعة منهم أبو حنيفة وأصحابه والشافعي إلى أن القاتل عمداً داخل تحت المشيئة تاب أو لم يتب، وقد أوضح الشوكاني في شرحه على المنتقى متمسك كل فريق، والحق أن باب التوبة لم يغلق دون كل عاص بل هو مفتوح لكل من قصده ورام للدخول منه، وإذا كان الشرك وهو أعظم الذنوب وأشدها تمحوه التوبة إلى الله ويقبل من صاحبه الخروج منه والدخول في باب التوبة فكيف بما دونه من المعاصي التي من جملتها القتل عمداً.
لكن لا بد في توبة قاتل العمد من الاعتراف بالقتل وتسليم نفسه للقصاص أن كان واجباً أو تسليم الدية إن لم يكن القصاص واجباً وكان القاتل غنياً متمكناً من تسليمها أو بعضها، وأما مجرد التوبة من القاتل عمداً وعزمه على أن لا يعود إلى قتل أحد من دون اعتراف ولا تسليم نفس فنحن لا نقطع بقبولها، والله أرحم الراحمين هو الذي يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون.
وقد تعلقت المعتزلة وغيرهم بهذه الآية على أن الفاسق يخلد في النار، والجواب أن الآية نزلت في كافر قتل مسلماً، وهو مقيس بن ضبابة، وهي على هذا مخصوصة، وقيل المعنى من قتل مسلماً مستحلاً لقتله وهو كفر، وعن أبي مجلز قال: هي جزاؤه فإن شاء الله أن يتجاوز عن جزائه فعل، أخرجه أبو داود.
وقيل الخلود لا يقتضي التأبيد بل معناه طول المكث. قاله البيضاوي.
وقد ثبت في أحاديث الشفاعة الصحيحة إخراج جميع الموحدين من النار، قال الكرخي: الظاهر أنه أراد التشديد والتخويف والزجر العظيم عن قتل المؤمن لا أنه أراد بعدم قبول توبته عدمه حقيقة، وظاهره أن الآية من المحكم لأنه لا يقع النسخ إلا في الأمر والنهي ولو بلفظ الخبر، أما الخبر الذي ليس بمعنى الطلب فلا يدخله نسخ ومنه الوعد والوعيد قاله الجلال في الإتقان.
قال أبو السعود: في الآية الكريمة من التهديد الشديد والوعيد الأكيد وفنون الإبراق والإرعاد ما تراه، وقد تأيّدت بما روى من الأخبار الشداد، كقوله - صلى الله عليه وسلم - " والذي نفسي بيده لزوال الدنيا عند الله أهون من قتل مؤمن " [[صحيح الجامع الصغير 4954.]] وقوله: " لو أن رجلاً قتل بالمشرق وآخر رضي بالمغرب لأشرك في دمه " وقوله: " من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله " [[ضعيف الجامع الصغير 5455.]] ونحو ذلك من القوارع.
ولا متمسك للمعتزلة فيها لأن المراد بالخلود هو المكث الطويل لا الدوام، وقد روي مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " هو جزاؤه إن جازاه ".
قال الواحدي: والأصل في ذلك أن الله عز وجل يجوز أن يخلف الوعيد، وإن امتنع أن يحلف الوعد، وبهذا وردت السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال " من وعده الله على عمله ثواباً فهو منجزه له، ومن أوعده على عمله عقاباً فهو بالخيار ".
والتحقيق أنه لا ضرورة إلى تفريع ما نحن فيه على الأصل المذكور، لأنه إخبار منه تعالى بأن جزاءه ذلك لا بأنه يجزيه بذلك، كيف لا وقد قال الله تعالى (وجزاء سيئة سيئة مثلها) ولو كان هذا إخباراً بأنه تعالى يجزي كل سيئة بمثلها لعارضة قوله تعالى (ويعفو عن كثير) انتهى كلام أبي السعود ملخصاً.
{"ayah":"وَمَن یَقۡتُلۡ مُؤۡمِنࣰا مُّتَعَمِّدࣰا فَجَزَاۤؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَـٰلِدࣰا فِیهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق