وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا (5)
(ولا تؤتوا) أيها الأولياء (السفهاء) المبذرين من الرجال والنساء والصبيان (أموالكم) هذا رجوع إلى بقية الأحكام المتعلقة بأموال اليتامى وقد تقدم الأمر بدفع أموالهم إليهم في قوله (وآتوا اليتامى أموالهم) فبينّ سبحانه ههنا أن السفيه وغير البالغ لا يجوز دفع ماله إليه؛ وقد تقدم في البقرة معنى السفيه لغة.
واختلف أهل العلم في هؤلاء السفهاء من هم فقال سعيد بن جبير: هم اليتامى لا تؤتوهم أموالهم، قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل في الآية، وقال مالك: هم الأولاد الصغار لا تعطوهم أموالكم فيفسدوها ويبقوا بلا شيء. وقال مجاهد: هم النساء قال النحاس وغيره هذا القول لا يصح إنما تقول العرب سفايه أو سفيهات.
واختلفوا في وجه إضافة الأموال إلى المخاطبين وهي للسفهاء فقيل أضافها إليهم لأدنى ملابسة فإنها بأيديهم وهم الناظرون فيها كقوله (فسلّموا على أنفسكم) وقوله (فاقتلوا أنفسكم) أي ليسلّم بعضكم على بعض وليقتل بعضكم بعضاً، وقيل أضافها إليهم لأنها من جنس أموالهم؛ فإن الأموال جعلت مشتركة بين الخلق في الأصل.
وقيل المراد أموال المخاطبين حقيقة؛ وبه قال أبو موسى الأشعري وابن عباس والحسن وقتادة؛ والمراد النهي عن دفعها إلى من لا يحسن تدبيرها كالنساء والصبيان ومن هو ضعيف الإدراك لا يهتدي إلى وجوه النفع التي تحصل المال ولا يتجنب وجوه الضرر التي تهلكه وتذهب به.
(التي جعل الله) أي صيّرها أو خلقها وأوجدها (لكم) حال كونها (قياماً) يعني قوام معايشكم، قاله ابن عباس، والقيام والقوام ما يقيمك، يقال فلان قيام أهله وقوام بيته، وهو الذي يقيم شأنه أي يصلحه، وهو منصوب على المصدر أي فيقومون بها قياماً.
وقال الأخفش: المعنى قائمة بأموركم، فذهب إلى أنها نفع، وقال البصريون: قيماً جمع قيمة كديمة وديم أي جعلها الله قيمة للأشياء، وخطأ أبو علي الفارسي هذا القول وقال هي مصدر كقيام وقوام.
والمعنى أنها صلاح للحال وثبات له.
فأما على قول من قال إن المراد أموالهم على ما يقتضيه ظاهر الإضافة فالمعنى واضح، وأما على قول من قال إنها أموال اليتامى فالمعنى أنها من جنس ما تقوم به معايشكم ويصلح به حالكم من الأموال، قال الفراء الأكثر في كلام العرب النساء اللواتي والأموال التي وكذا غير الأموال ذكره النحاس.
(وارزقوهم فيها) أي أطعموهم منها، قال ابن عباس: أنفقوا عليهم أي اجعلوا لهم فيها رزقاً أو افرضوا لهم، وآثر التعبير بفي على من مع أن المعنى عليها إشارة إلى أنه ينبغي للولي أن يتجر لموليه في ماله ويربحه له حتى تكون نفقته عليه من الربح لا من أصل المال، فالمعنى واجعلوها مكاناً لرزقهم وكسوتهم بأن تتجروا فيها وتربحوها لها.
(واكسوهم) هذا فيمن تلزم نفقته وكسوته من الزوجات والأولاد ونحوهم، وأما على قول من قال إن الأموال هي أموال اليتامى فالمعنى اتجروا فيها حتى تربحوا وتنفقوهم من الأرباح، أو جعلوا لهم من أموالهم رزقاً ينفقونه على أنفسهم ويكتسون به.
وقد استدل بهذه الآية على جواز الحجر على السفهاء وبه قال الجمهور، وقال أبو حنيفة: لا يحجر على من بلغ عاقلاً، واستدل بها أيضاً على وجوب نفقة القرابة، والخلاف في ذلك معروف في مواطنه.
(وقولوا لهم قولاً معروفاً) أي كلاماً ليّناً تطيب به نفوسهم، وقال مجاهد: أمروا أن يقولوا لهم قولاً جميلاً في البر والصلة قيل معناه ادعوا لهم بارك الله فيكم وحاطكم وصنع لكم، وقيل معناه: عدوهم وعداً حسناً قاله ابن جريج أي بإعطائهم أموالهم كأن يقول الولي لليتيم مالك عندي وأنا أمين عليه، فإذا بلغت ورشدت أعطيتك مالك، ويقول الأب لابنه مالي سيصير إليك، وأنت إن شاء الله تعالى صاحبه ونحو ذلك، وذلك لأجل تطييب خواطرهم، ولأجل أن يجدّوا في أسباب الرشد.
والظاهر من الآية ما يصدق عليه مسمى القول الجميل ففيه إرشاد إلى حسن الخلق مع الأهل والأولاد أو مع الأيتام المكفولين، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما صح عنه " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " [[صحيح الجامع الصغير 3309.]] وعن ابن عباس في الآية لا تعمد إلى مالك وما خوّلك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنتك ثم تضطر إلى ما في أيديهم، ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم في كسوتهم ورزقهم ومؤنتهم، وعنه لا تسلّط السفيه من ولدك على مالك، وأمره أن يرزقه منه ويكسوه، وعنه قال: هم بنوك والنساء.
وعن أبي أمامة مرفوعاً عند ابن أبي حاتم أن السفهاء النساء التي أطاعت قيمها. وعن أبي هريرة قال: هم الخدم وهم شياطين الإنس، وقال ابن مسعود: هم النساء والصبيان؛ وعن حضرمي أن رجلاً عمد فدفع ماله إلى امرأته فوضعته في غير الحق فقال الله (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) الآية.
وعن ابن جبير قال: هم اليتامى والنساء وعن عكرمة قال هو مال اليتيم يكون عندك يقول لا تؤته إياه وأنفق عليه حتى يبلغ.
{"ayah":"وَلَا تُؤۡتُوا۟ ٱلسُّفَهَاۤءَ أَمۡوَ ٰلَكُمُ ٱلَّتِی جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِیَـٰمࣰا وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِیهَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُوا۟ لَهُمۡ قَوۡلࣰا مَّعۡرُوفࣰا"}