الباحث القرآني

(ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) وقيل: هي مثل ضربه الله للمظاهر، أي: كما لا يكون للرجل قلبان كذلك لا تكون امرأة المظاهر أمه حتى تكون له أمان وكذلك لا يكون الدعي ابن الرجل، وقيل كان الواحد من المنافقين يقول: لي قلب يأمرني بكذا، وقلب بكذا فنزلت الآية برد النفاق وبيان أنه لا يجتمع مع الإسلام؛ كما لا يجتمع قلبان، والقلب بضعة صغيرة على هيئة الصنوبرة خلقها الله وجعلها محلاً للعلم و (من) زائدة وقال: في جوفه لأنه معدن الروح الحيواني المتعلق للنفس الإنساني ومنبع القوى بأسرها؛ فيمتنع تعدده لأنه يؤدي إلى التناقض وهو أن يكون كل منهما أصلاً لكل القوى وغير أصل لها. عن ابن عباس قال: قام النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً يصلي فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه: إلا ترى أن له قلبين قلباً معكم وقلباً معهم، فنزل (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه). وعنه بلفظ: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة، فسها فيها فخطرت منه كلمة فسمعها المنافقون فقالوا: إن له قلبين، فنزلت. وعنه أيضاًً قال: كان رجل من قريش يسمى من دهائه: ذا القلبين فأنزل الله هذا في شأنه. (وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم) قرىء اللائي بياء ساكنة بعد همزة وبياء ساكنة بعد ألف محضة قال أبو عمرو بن العلاء: إنها لغة قريش التي أمر الناس أن يقرأوا بها وتظاهرون مضارع ظاهر، وقرىء مضارع تظاهر والأصل تتظاهرون وقرىء تظهرون والأصل تنظهرون، وأخذ ذلك من لفظ الظهر كأخذ لبى من التلبية، وإنما عُدّي بمن لأنه ضُمّن معنى التباعد، كأنه قيل: متباعدين من نسائكم بسبب الظهار، كما تقدم في تعدية الإيلاء بمن في البقرة. والظهار أصله أن يقول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي، والمعنى ما جعل الله نساءكم اللاتي تقولون لهن هذا القول كأمهاتكم في التحريم، ولكنه منكر من القول وزور، وإنما تجب به الكفارة بشرطه، وهو العود كما ذكر في سورة المجادلة بقوله: والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا أي نفسه بأن يخالفوه بإمساك المظاهر منها زمناً يمكنه أن يفارقها فيه أو لا يفارقها، لأنه مقصود المظاهر وصف المرأة بالتحريم وإمساكها يخالفه قاله الكرخي. (وما جعل أدعياءكم) أي: وكذلك ما جعل الأدعياء الذين تدعون أنهم أبناؤكم (أبناءكم) والأدعياء جمع دعي، وهو الذي يدعى ابناً لغير أبيه فهو فعيل بمعنى مفعول ولكن جمعه على أدعياء غير مقيس لأن أفعلاء إنما يكون جمعاً لفعيل، المعتل اللام إذا كان بمعنى فاعل؛ نحو تقي وأتقياء، وغني وأغنياء، وهذا وإن كان فعيلاً معتل اللام لأن أصله دعيو فأدغم إلا أنه بمعنى مفعول فكان القياس جمعه على فَعلى كقتيل وقتلى وجريح وجرحى، ومريض ومرضى، ونظير هذا في الشذوذ قولهم: أسير وأسارى، والقياس أسرى، وقد سمع فيه الأصل قاله السمين. (ذلكم) أي ما تقدم من ذكر الظهار والادعاء (قولكم بأفواهكم) أي ليس ذلك إلا مجرد قول بالأفواه، ولا تأثير له في الخارج، فلا تصير المرأة به أمه، ولا ابن الغير به إبناً، ولا يترتب على ذلك شيء من أحكام الأمومة والبنوة. وقيل: الإشارة راجعة إلى الادعاء أي: ادعاؤكم أن أبناء الغير أبناؤكم لا حقيقة له بل هو مجرد قول بالفم؛ إذ الابن لا يكون إلا بالولادة وفيه نسخ التبني، وذلك أن الرجل كان في الجاهلية يتبنى الرجل، فيجعله كالابن المولود يدعوه إليه الناس، ويرث ميراثه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعتق زيد بن حارثة الكلبي وتبناه قبل الوحي وآخى بينه وبين حمزة، فلما تزوج زينب -وكانت تحت زيد- قال المنافقون: تزوج محمد امرأة ابنه، وهو ينهى الناس عن ذلك، فأنزل الله هذه الآية، ونسخ بها التبني. قال النحاس: وهذا من نسخ السنة بالقرآن. قال القرطبي: أجمع أهل التفسير على أن هذا القول أنزل في زيد بن حارثة. (والله يقول الحق) الذي يحق اتباعه لكونه حقاً في نفسه، لا باطلاً، فيدخل تحته دعاء الأبناء لآبائهم (وهو يهدي السبيل) أي يدل على الطريق الموصلة إلى الحق، وفي هذا إرشاد للعباد إلى قول الحق، وتراث قول الباطل والزور، ثم صرح سبحانه بما يجب على العباد من دعاء الأبناء للآباء فقال: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5) النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (6))
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب