(يا نساء النبي من يأت منكن) من بيانية لأنهن كلهن محسنات (بفاحشة) أي معصية (مبينة) أي ظاهرة القبح، واضحة الفحش، وقد عصمهن الله عن ذلك وبرأهن وطهرهن فهو كقوله تعالى: لئن اشركت ليحبطن عملك، وقيل: المراد بالفاحشة: النشوز وسوء الخلق، وقال قوم: الفاحشة إذا وردت معرفة فهي الزنا واللواط، وإذا وردت منكرة فهي سائر المعاصي، وإذا وردت منعوتة فهي عنوق الزوج، وفساد عشرته. وقالت فرقة: قوله هذا يعم جميع المعاصي، وكذلك الفاحشة كيف وردت.
(يضاعف لها العذاب ضعفين) أي يعذبهن الله مثلي عذاب غيرهن من النساء إذا أتين بمثل تلك الفاحشة، وذلك لشرفهن وعلو درجتهن، وارتفاع منزلتهن، ولأن ما قبح من سائر النساء كان منهن أقبح، فزيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل، وليس لأحد من النساء مثل فضل نساء النبي (- صلى الله عليه وسلم -)، ولذا كان الذم للعاصي العالم أشد من العاصي الجاهل، لأن المعصية من العالم أقبح، ولذا فضل حد الأحرار على العبيد.
وقد ثبت في هذه الشريعة في غير موضع أن تضاعف الشرف وارتفاع الدرجات يوجب لصاحبه إذا عصى تضاعف العقوبات. وقرىء يضعف على البناء للمفعول، وفرق أبو عمرو وأبو عبيد بين يضاعف ويضعف فقالا: يكون يضاعف ثلاثة عذابات ويضعف عذابين قال النحاس: هذه التفرقة التي جاء بها لا يعرفها أحد من أهل اللغة، والمعنى في: يضاعف ويضعف واحد، أي يجعل ضعفين، وهكذا ضعف ما قالاه ابن جرير.
قال قوم: لو قدر الله الزنا من واحدة -وقد أعاذهن الله عن ذلك- لكانت تحد حدَّين لعظم قدرها، كما يزاد حد الحرة على الأمة، والعذاب بمعنى الحد قال تعالى: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)، وعلى هذا فمعنى الضعفين معنى المثلين أو المرئين، وقال مقاتل: هذا التضعيف في العذاب إنما هو في الآخرة، كما إن إيتاء الأجر مرتين في الآخرة وهذا حسن لأن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأتين بفاحشة توجب حداً.
وقد قال ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قط، وإنما خانتا في الإيمان والطاعة. وقال بعض المفسرين: العذاب الذي توعدن به ضعفين هو عذاب الدنيا وعذاب الآخرة وكذلك الأجر. قال ابن عطية: وهذا ضعيف، اللهم إلا أن تكون أزواج النبي (- صلى الله عليه وسلم -) لا ترفع عنهن حدود الدنيا عذاب الآخرة على ما هو حال الناس عليه بحكم حديث عبادة بن الصامت، وهذا أمر لم يرد في أزواج النبي (- صلى الله عليه وسلم -) ولا حفظ تقريره.
(وكان ذلك) أي تضعيف العذاب (على الله يسيراً) هيناً لا يتعاظمه ولا يصعب عليه، فليس كونكن تحت النبي (- صلى الله عليه وسلم -) وكونكن جليلات شريفات مما يدفع العذاب عنكن، وليس أمر الله كأمر الخلق حتى يتعذر عليه تعذيب الأعزة بسبب كثرة أوليائهن وأعوانهن أو شفعائهن وإخوانهن.
{"ayah":"یَـٰنِسَاۤءَ ٱلنَّبِیِّ مَن یَأۡتِ مِنكُنَّ بِفَـٰحِشَةࣲ مُّبَیِّنَةࣲ یُضَـٰعَفۡ لَهَا ٱلۡعَذَابُ ضِعۡفَیۡنِۚ وَكَانَ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرࣰا"}