الباحث القرآني

(ولقد آتينا موسى الكتاب) أي: التوراة، وإنما ذكر موسى لقربه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ووجود من كان على دينه إلزاماً لهم: وإنما لم يختر عيسى عليه السلام للذكر والاستدلال، لأن اليهود ما كانوا يوافقون على نبوته، وأما النصارى فكانوا يعترفون بنبوة موسى عليه السلام، فتمسك بالمجمع عليه. (فلا تكن) يا محمد (في مرية) أي شك، وريبة (من لقائه) قال الواحدي: قال المفسرون وعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سيلقى موسى قبل أن يموت ثم لقيه في السماء أو في بيت المقدس حين أسري به، وهذا قول مجاهد والكلبي والسدي، وقيل: فلا تكن في شك من لقاء موسى في القيامة، وستلقاه فيها وقيل: فلا تكن في شك من لقاء موسى للكتاب، قاله الزجاج وقال الحسن: إن معناه ولقد آتينا موسى الكتاب فكذب وأوذي، فلا تكن في شك من أنه سيلقاك ما لقيه من التكذيب والأذى، فيكون الضمير في لقائه على هذا إلى محذوف والمعنى من لقائه: ما لاقى موسى، قال النحاس: وهذا قول غريب. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى قل: يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم، فلا تكن في مرية من لقائه، فجاء معترضاً بين ولقد آتينا موسى الكتاب، وبين قوله الآتي، وجعلناه هدى لبني إسرائيل. وقيل الضمير راجع إلى الكتاب الذي هو الفرقان، كقوله: (وإنك لتلقى القرآن)، والمعنى إنا قد آتينا موسى مثل ما آتيناك من الكتاب ولقيناه مثل ما لقيناك من الوحي، فلا تكن في شك من أنك لقيت مثله ونظيره، وما أبعد هذا؟ ولعل الحامل لقائله عليه قوله: (وجعلناه هدى لبني إسرائيل) فإن الضمير راجع إلى الكتاب، وقيل: إن الضمير في لقائه عائد إلى الرجوع المفهوم من قوله: (ثم إلى ربكم ترجعون)، أي لا تكن في مرية من لقاء الرجوع وهذا بعيد جداً، قال السمين: وهذه أقوال بعيدة ذكرت للتنبيه على ضعفها، وأظهرها أن الضمير إما لموسى، وإما للكتاب، أي لا تَرْتَبْ في أن موسى لقي الكتاب، وأنزل عليه. وقد أخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما من حديث ابن عباس قال قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: رأيت ليلة أسرى بي موسى بن عمران رجلاً طويلاً جعداً كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى بن مريم مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس، ورأيت مالكاً خازن جهنم، والدجال في آيات أراهن الله إياه، قال (فلا تكن في مرية من لقائه)، فكان قتادة يفسرها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد لقي موسى. وأخرج الطبراني، وابن مردويه والضياء في المختارة بسند - قال السيوطي صحيح. عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا تكن في مرية من لقائه قال: من لقاء موسى، قيل أو لقي موسى؟ قال نعم ألا ترى إلى قوله واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا؟. وروى البخاري عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أتيت على موسى ليلة المعراج عند الكثيب الأحمر، وهو قائم يصلي في قبره. وصح في حديث المعراج أيضاًً أنه رآه في السماء السادسة، فلعل رؤيته كانت في قبره قبل صعوده إلى السماء، ثم صعد إليها فوجده هناك قد سبقه لما يريده الله، وهذا وجه الجمع بين هذين الحديثين، على ما ذكره الخازن. واختلف في الضمير في قوله: (وجعلناه) فقيل راجع إلى الكتاب أي جعلنا التوراة (هدى لبني إسرائيل) قاله الحسن وغيره، وقال قتادة إنه راجع إلى موسى، أي وجعلنا موسى هدى لبني إسرائيل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب