الباحث القرآني

(قد كان لكم آية) أي علامة عظيمة دالة على صدق ما أقول لكم. وهذه الجملة من تمام القول المأمول به لتقرير مضمون ما قبله. والخطاب لليهود وقيل لجميع الكفار. وقيل للمؤمنين وعلى الأخيرين تكون الآية مستأنفة غير مرتبطة بما قبلها. ولم يقل (كانت) لأن التأنيث غير حقيقي، وقيل إنه رد المعنى إلى البيان فمعناه قد كان لكم بيان فذهب إلى المعنى وترك اللفظ، وقال الفراء إنما ذكر لأنه حالت الصفة بين الفعل والإسم المؤنث فذكر الفعل، وكل ما جاء من هذا فهذا وجهه، ومعنى الآية قد كان لكم عبرة ودلالة على صدق ما أقول إنكم ستغلبون. (في فئتين) أي فرقتين، وأصلها فيء الحرب لأن بعضهم يفيء إلى بعض، أي يرجع، والفئة الجماعة ولا واحد لها من لفظتها وجمعها فئات، وقد تجمع بالواو والنون جبراً لما نقص، وسميت الجماعة من الناس فئة لأنه يفاء إليها أي يرجع في وقت الشدة قاله القرطبي، وقال الزجاج الفئة الفرقة مأخوذ من فأوت رأسه بالسيف إذا قطعته. (التقتا) لا خلاف في أن المراد بالفئتين هما المقتتلتان يوم بدر، وإنما وقع الخلاف في المخاطب بهذا الخطاب، فقيل المخاطب به المؤمنون وبه قال ابن مسعود والحسن، وقيل اليهود، وفائدة الخطاب للمؤمنين تثبيت نفوسهم وتشجيعها، وفائدته إذا كان مع اليهود عكس الفائدة المقصودة بخطاب المسلمين، وقيل هو خطاب لكفار مكة. (فئة تقاتل في سبيل الله) أي في طاعة الله وهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وكانوا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً سبعة وسبعون رجلاً من المهاجرين، ومائتان وستة وثلاثون رجلاً من الأنصار، وكان صاحب راية المهاجرين علي بن أبي طالب، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة وكان فيهم سبعون بعيراً وفرسان، وكان من السلاح ستة أدرع وثمانية سيوف وأكثرهم رجالة. (وأخرى كافرة) وهم مشركو مكة وكانوا تسعمائة وخمسين رجلاً من المقاتلة، وكان رأسهم عتبة بن ربيعة، وكان فيها مائة فرس، وكانت وقعة بدر أول مشهد شهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الهجرة. وفي الكلام شبه احتباك تقديره فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله، وأخرى كافرة تقاتل في سبيل الشيطان، فحذف من الأول ما يفهم من الثاني، ومن الثاني ما يفهم من الأول. (يرونهم مثليهم رأي العين) قال أبو علي الفارسي: الرؤية في هذه الآية رؤية العين، ولذلك تعدت إلى مفعول واحد، ويدل عليه قوله (رأي العين) والمراد أنه يرى المشركون المؤمنون مثلى عدد المشركين أو مثلي عدد المسلمين. وقد ذهب الجمهور إلى أن فاعل يرون هم المؤمنون، والمفعول هم الكفار، والضمير في مثليهم يحتمل أن يكون للمشركين أي يرى المسلمون المشركين مثلَي ما هم عليه من العدد، وفيه بُعد، إذ يلزم أن يكثر الله المشركين في أعين المسلمين، وقد أخبرنا أنه قللهم في أعين المؤمنين، وأن يكون للمسلمين فيكون المعنى يرى السلمون المشركين مثلي المسلمين ليطمعوا فيهم، وقد كانوا علموا من قوله تعالى (فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) أن الواحد يغلب الأثنين، وهذا على قراءة الجمهور بالياء التحتية. وأما على قراءة نافع بالفوقية ففيها وجهان (الأول) أن يكون الخطاب في ترونهم للمسلمين والضمير المنصوب فيه للكافرين، والضمير المجرور في مثليهم أيضاً للمسلمين بطريق الالتفات فيكون المعنى ترون أيها المسلمون المشركين مثليكم في العدد، وقد كانوا ثلاثة أمثالهم، فقلل الله المشركين في أعين المسلمين فأراهم إياهم مثلي عِدتهم لتقوى أنفسهم. (والثاني) أن يكون الضمير المنصوب أيضاً للمسلمين أي ترون أيها المسلمون أنفسكم مثلي ما أنتم عليه من العدد لتقوى بذلك أنفسكم. وقد قال من ذهب إلى التفسير الأول أعني أن فاعل الرؤية المشركون، وأنهم رأوا المسلمين مثلي عددهم، أنه لا يناقض هذا ما في سورة الأنفال من قوله تعالى (ويقللكم في أعينهم) بل قللوا أولا في أعينهم ليلاقوهم ويجترؤا عليهم، فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا ورأي العين مصدر مؤكد لقوله (يرونهم) أي رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها. (والله يؤيد بنصره من يشاء) أي يقوي من يشاء أن يقويه ولو بدون الأسباب العادية، ومن جملة ذلك تأييد أهل بدر بتلك الرؤية. (إن في ذلك) أي في رؤية القليل كثيراً (لعبرة) فعلة من العبور كالجلسة من الجلوس، والمراد الاتعاظ، والتنكير للتعظيم أي عبرة عظيمة وموعظة جسيمة (لأولي الأبصار). زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) عن الربيع يقول قد كان لكم في هؤلاء عبرة وتفكُّر، أيدهم الله ونصرهم على عدوهم يوم بدر كان المشركون تسعمائة وخمسين رجلاً وكان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً. وعن ابن مسعود قال هذا يوم بدر نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلاً واحداً، وعن ابن عباس قال أنزلت في التخفيف يوم بدر على المؤمنين كانوا يومئذ ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً وكان المشركون مثليهم ستمائة وستة وعشرين فأيد الله المؤمنين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب