(قال رب المشرق والمغرب وما بينهما) خصهما لأنهما أوضح دلالة وأظهر، وذلك أنه أراد بالمشرق طلوع الشمس وطلوع النهار، وأراد بالمغرب غروب الشمس وزوال النهار، ومعلوم أن طلوع الشمس من أحد الخافقين، وغروبها في الآخر على تقدير مستقيم، لا يكون إلا بتقدير قادر حكيم، والمعنى ليس ملكه كملكك لأنك إنما تملك بلداً واحداً لا يجري أمرك في غيره، ويموت فيه من لا تحب أن يموت.
والذي أرسلني، يملك المشرق والمغرب وما بينهما، أي فتشاهدون في كل يوم أنه يأتي بالشمس من المشرق، ويحركها على مدار غير مدار اليوم الذي قبله، حتى يبلغها إلى المغرب على وجه نافع تنتظم به أمور الكائنات، ولم يشتغل موسى بدفع ما نسبه إليه من الجنون، بل بين لفرعون شمول ربوبية الله للمشرق والمغرب وما بينهما، وإن كان ذلك داخلاً تحت ربوبيته سبحانه للسموات والأرض وما بينهما لما تقدم، ولأن فيه تصريحاً بإسناد حركات السماوات وما فيها وتغيير أحوالها وأوضاعها، تارة بالنور، وتارة بالظلمة إلى الله، وقيل علم موسى أن قصده. في السؤال معرفة من سأل عنه فأجاب بما هو الطريق إلى معرفة الرب.
(إن كنتم تعقلون) شيئاًً من الأشياء، أو إن كنتم من أهل العقول أي إن كنت يا فرعون ومن معك من العقلاء، عرفت وعرفوا أنه لا جواب لسؤالك إلا ما ذكرت لك، لاينهم أولاً، وعاملهم بالرفق، حيث قال لهم (إن كنتم موقنين) ثم لما رأى شدة شكيمتهم، خاشنهم واغلظ عليهم في الرد، وعارضهم بمثل مقالتهم بقوله: (إن كنتم تعقلون) لأنه أبلغ وأوفق بما قبله من رد نسبة الجنون إليه، ثم إن اللعين لما انقطع عن الحجة رجع إلى الاستعلاء والتغلب والتهديد، وهكذا ديدن المعاند المحجوج.
{"ayah":"قَالَ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَمَا بَیۡنَهُمَاۤۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ"}