(وهو الذي أرسل الرياح بشراً) جمع بشور، وقرئ نشراً بالنون (بين يدي رحمته) أي متفرقة قدام المطر لأنه ريح ثم سحاب ثم مطر، وهذه استعارة مليحة، والمراد بالرياح الجنس، وهي الصبا والجنوب والشمال، بخلاف الدبور، فإنها ريح العذاب التي أهلكت بها عاد. والشمال تأتي من ناحية الشام والجنوب تقابلها وهي اليمانية، والصبا تأتي من مطلع الشمس وهي القبول أيضاً، والدبور تأتي من ناحية المغرب، والريح مؤنثة على الأكثر فيقال هي الريح. وقد تذكر على معنى الهواء فيقال: هو الريح وهب الريح نقله أبو زيد وقال ابن الأنباري: إنها مؤنثة لا علامة فيها، وكذلك سائر أسمائها إلا الإعصار فإنه مذكّر، قد تقدم تفسير هذه الآية مستوفى في الأعراف.
(وأنزلنا من السماء ماء طهوراً) وصف الماء به إشعاراً بالنعمة وتتميماً للمنة بما بعده. فإن الماء الطهور أهنأ وأنفع مما خالطه ما يزيل طهوريته. وفيه تنبيه على أن ظواهرهم لما كانت مما ينبغي أن يطهروها، فبواطنهم أولى بذلك، قال الأزهري: الطهور في اللغة المطهر، قال: وفعول في كلام العرب لِمَعانٍ منها فعول لما يفعل به، مثل الطهور لما يتطهر به، والوضوء لما يتوضأ به قال ابن الأنباري: الطَهور بفتح الطاء الاسم وكذلك الوضوء والوقود، وبالضم المصدر، هذا هو المعروف في اللغة، وقد ذهب الجمهور إلى أن الطهور هو الطاهر المطهر، ويؤيد ذلك كونه بناء مبالغة، ويدل له ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في البحر " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي. [[أبو داوود كتاب الطهارة باب 41.
الترمذي كتاب الطهارة 52.
النسائي كتاب الطهارة باب 46.]] وروي عن أبي حنيفة أنه قال: الطهور هو الطاهر. واستدل لذلك بقوله تعالى (وسقاهم ربهم شراباً طهوراً) يعني طاهراً وعلى كل حال فقد ورد الشرع بأن الماء طاهر في نفسه مطهر لغيره. قال الله تعالى (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) وقال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم (خلق الماء طهوراً) وأخرج أهل السنن وأحمد وغيرهم من حديث أبي سعيد قال: قيل يا رسول الله أتتوضأ من بئر قضاعة، وهي بئر تلقى فيه الحيض ولحوم الكلاب والنتن، فقال: " إن الماء طهور لا ينجسه شيء " [[أبو داوود كتاب الطهارة باب 34 - الإمام أحمد 3/ 31 - 4/ 17.]] وفي إسناد هذا الحديث كلام طويل قد استوفاه الحافظ ابن حجر في التلخيص، وتبعه الشوكاني في شرحه على المنتقى، ثم ذكر سبحانه علة الإنزال فقال:
{"ayah":"وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ ٱلرِّیَـٰحَ بُشۡرَۢا بَیۡنَ یَدَیۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ طَهُورࣰا"}