الباحث القرآني

(ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة) لا ناهية والفعل مجزوم بحذف الياء لأنه معتل بها أي لا يحلف ووزنه يفتعل من الأليّة كهدية، يقال أليّة وألايا مثل هدية وهدايا، وهي اليمين يقال ائتلى يأتلي بوزن انتهى ينتهي إذا حلف، ومنه قوله سبحانه: (للذين يؤلون من نسائهم) وقالت فرقة: هو من ألوت في كذا إذا قصرت ومنه لم آل جهداً أي لم أقصر وكذا منه قوله تعالى: (لا يألونكم خبالاً) والأول أولى بدليل سبب النزول، قال ابن عباس: لا تقسموا أن لا تنفعوا أحداً. أخرج ابن المنذر عن عائشة قالت: كان مسطح بن أثاثة ممن تولى كبره من أهل الإفك، وكان قريباً لأبي بكر، وكان في عياله فحلف أبو بكر أن لا ينيله خيراً أبداً فأنزل الله هذه الآية، قالت فأعاده أبو بكر إلى عياله وقال: لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا تحللتها وأتيت الذي هو خير، وقد روي هذا من طرق عن جماعة من التابعين. وعن ابن عباس في الآية قال: كان ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رموا عائشة بالقبيح وأفشوا ذلك وتكلموا فيها، فأقسم ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم أبو بكر أن لا يتصدقوا على رجل تكلم بشيء من هذا ولا يَصِلُوه فقال: لا يقسم أولوا الفضل منكم والسعة أن لا يصلوا أرحامهم، وأن لا يعطوهم من أموالهم، كالذي كانوا يفعلون قبل ذلك، فأمر الله أن يغفر لهم ويعفي عنهم. (أن يؤتوا) قال الزجاج أي على أن لا يؤتوا فحذف (لا) وقال أبو عبيدة: لا حاجة إلى إضمار لا، والمعنى: لا يحلفوا على أن لا يحسنوا إلى المستحقين للإحسان من (أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله) الجامعين لتلك الأوصاف، وعلى الوجه الآخر يكون المعنى: لا يقصروا في أن يحسنوا إليهم وإن كانت بينهم وبينهم شحناء لذنب اقترفوه، وقرئ بتاء الخطاب على الالتفات. ثم علمهم سبحانه أدباً آخر فقال: (وليعفوا) عن ذنبهم الذي أذنبوه عليهم، وجناتهم التي اقترفوها، من عفا الربع أي درس، والمراد محو الذنب حتى يعفو كما يعفو أثر الربع (وليصفحوا) بإغضاء عن الجاني والإغماض عن جنايته، والإعراض عن لومه، فإن العفو أن يتجاوز عن الجاني، والصفح أن يتناسى جرمه. وقيل: العفو بالفعل والصفح بالقلب، وقرئ في الفعلين جميعاً بالفوقية ثم ذكر سبحانه ترغيباً عظيماً لمن عفا وصفح فقال: (ألا تحبون أن يغفر الله لكم) بسبب عفوكم وصفحكم عن الفاعلين للإساءة عليكم، قال أبو بكر: بلى أنا أحب أن يغفر الله لي، ورجع إلى مسطح ما كان ينفقه عليه (والله غفور رحيم) أي كثير المغفرة والرحمة لعباده مع كثرة ذنوبهم، فكيف لا يقتدي العباد بربهم في العفو والصفح عن المسيئين إليهم؟.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب