(الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) هذه الجملة متضمنة لبيان كيفية الإنفاق الذي تقدم أي هو إنفاق الذين ينفقون، قيل نزلت في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، أما عثمان فجهز المسلمين في غزوة تبوك بألف بعير بأقتابها وأحلاسها، وأما عبد الرحمن فجاء بأربعة آلاف درهم صدقة إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(ثمّ لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى) المن هو ذكر النعمة على معنى التعديد لها والتقريع بها، وقيل المن التحدث بما أعطى حتى يبلغ ذلك المعطى فيؤذيه، والمن من الكبائر كما ثبت في صحيح مسلم [[مسلم 106.]] وغيره أنه أحد الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب عظيم.
والأذى السب والتطاول والتشكي، قال في الكشاف: ومعنى (ثم) إظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى وإنّ تركهما خير من نفس الإنفاق كما جعل الإستقامة على الإيمان خيراً من الدخول فيه بقوله (ثم استقاموا) انتهى.
فثم على هذا للتراخي في الرتبة، وقيل هو على بابه للتراخي في الزمان نظراً للغالب من أن وقوع المن والأذى يكون بعد الإنفاق بمدة، وقدَّم المنَّ على الأذى لكثرة وقوعه، ووسط كلمة " لا " للدلالة على شمول النفي لاتباع كل واحد منهما.
(لهم أجرهم) يعني ثوابهم في الآخرة (عند ربهم) فيه تأكيد وتشريف (ولا خوف عليهم) يعني يوم القيامة (ولا هم يحزنون) يعني على ما خلّفوا من الدنيا، وظاهر الآية نفي الخوف عنهم في الدارين كما تفيده النكرة الواقعة في سياق النفي من الشمول، وكذلك نفي الحزن يفيد دوام انتفائه عنهم.
وقد وردت الأحاديث الصحيحة في النهي عن المن والأذى وفي فضل الإنفاق في سبيل الله وعلى الأقارب وفي وجوه الخير، ولا حاجة إلى التطويل بذكرها فهي معروفة في مواطنها.
قال عبد الرحمن بن يزيد: كان أبي يقول: إذا أعطيت رجلاً شيئاً ورأيت أن سلامك يثقل عليه فلا تسلم عليه، والعرب تمدح بترك المن وكتم النعمة وتذم على إظهارها والمن بها، والأذى ما يصل إلى الإنسان من ضرر بقول أو فعل، والمراد هنا أن يشكو منهم بسبب ما أعطاهم.
{"ayah":"ٱلَّذِینَ یُنفِقُونَ أَمۡوَ ٰلَهُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا یُتۡبِعُونَ مَاۤ أَنفَقُوا۟ مَنࣰّا وَلَاۤ أَذࣰى لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ"}