الباحث القرآني

(ولا تجعلوا الله) أي الحلف به (عرضة لأيمانكم) العرضة النصبة قاله الجوهري، وقيل العرضة الشدة والقوة، ومنه قولهم للمرأة عرضة للنكاح إذا صلحت له وقويت عليه، ولفلان عرضة أي قوة، وتطلق العرضة على الهمّة، ويقال فلان عرضة للناس لا يزالون يقعون فيه. فعلى المعنى الذي ذكره الجوهري أن العرضة النصبة كالغرفة يكون ذلك اسماً لما تعرضه دون الشيء أي تجعله حاجزاً له ومانعاً منه، أي لا تجعلوا الله حاجزاً ومانعاً لما حلفتم عليه، وذلك لأن الرجل كان يحلف على بعض الخير من صلة الرحم أو إحسان إلى الغير أو إصلاح بين الناس بأن لا يفعل ذلك ثم يمتنع من فعله معللاً لذلك الإمتناع بأنه قد حلف أن لا يفعله، وهذا المعنى هو الذي ذكره الجمهور في تفسير الآية فنهاهم الله أن يجعلوه عرضة لأيمانهم أي حاجزاً لما حلفوا عليه ومانعاً منه، وسمّي المحلوف عليه يميناً لتلبُّسه باليمين. وعلى هذا يكون قوله (أن تبرُّوا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) عطف بيان لأيمانكم أي لا تجعلوا الله مانعاً للأيمان التي هي برُّكم وتقواكم وإصلاحكم بين الناس، ويتعلق قوله لأيمانكم بقوله لا تجعلوا أي لا تجعلوا الله لأيمانكم مانعاً وحاجزاً. ويجوز أن يتعلق بعرضة، أي لا تجعلوا شيئاً معترضاً بينكم وبين البر وما بعده. وعلى المعنى الثاني وهو أن العرضة الشدة والقوة يكون معنى الآية لا تجعلوا اليمين بالله قوة لأنفسكم وعدّة في الامتناع من الخير. ولا يصح تفسير الآية على المعنى الثالث وهو تفسير العرضة بالهمة. وأما على المعنى الرابع وهو قولهم فلان عرضة للناس، فيكون معنى الآية عليه: ولا تجعلوا الله معرضاً لأيمانكم فتبتذلونه بكثرة الحلف به، ومنه (واحفظوا أيمانكم) وقد ذم الله المكثرين للحلف فقال (ولا تطع كل حلاّف مهين) وقد كانت العرب تتمادح بقلة الأيمان فيكون قوله (أن تبروا) علة للنهي أي لا تجعلوا الله معرضاً لأيمانكم إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس لأن من يكثر الحلف بالله يجترىء على الحنث ويفجر في يمينه. وقد قيل في تفسير الآية أقوال هي راجعة إلا هذه الوجوه التي ذكرناها (والله سميع) أي لأقوال العباد (عليم) بما يصدر منهم. وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفّر عن يمينه " [[مسلم 1650.]]. وثبت أيضاً في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وكفّرت عن يميني " [[مسلم 1649 - البخاري 1476.]]. وأخرج ابن ماجه وابن جرير عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من حلف على يمين قطيعة رحم أو معصية فبرّه أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه " [[صحيح الجامع الصغير 6091.]] وفي الباب أحاديث.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب