الباحث القرآني
(إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) لما أمرنا الله تعالى في الآية التي تقدمت بأكل الطيبات التي هي الحلالات، بين في هذه الآية أنواعاً من المحرمات فقال (إنما) وهي كلمة موضوعة للحصر تثبت ما تناوله الخطاب وتنفي ما عداه، وقد حصرت ههنا التحريم في الأمور المذكورة بعدها أي ما حرم عليكم إلا الميتة وهي كل ما فارقه الروح من غير ذكاة.
وقد خصص هذا العموم بمثل حديث " أحل لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالجراد والحوت، وأما الدمان فالطحال والكبد " أخرجه أحمد وابن ماجة والدارقطني والحاكم وابن مردويه عن ابن عمر، ومثل حديث جابر في العنبر الثابت في الصحيحين مع قوله تعالى (أحل لكم صيد البحر) فالمراد بالميتة هنا ميتة البر لا ميتة البحر.
وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى جواز أكل جميع حيوانات البحر حيها وميتها، وقال بعض أهل العلم أنه يحرم من حيوانات البحر ما يحرم شبهه في البر، وتوقف ابن حبيب في خنزير الماء، قال ابن القاسم: أنا أتقيه ولا أراه حراماً، والدم هو الجاري السائل وكانت العرب تجعل الدم في المصارين ثم تشويه وتأكله، فحرمه الله تعالى.
وقد اتفق العلماء على أن الدم حرام، وفي الآية الأخرى (أو دماً مسفوحاً) فيحمل المطلق على المقيد لأن ما خلط باللحم غير محرم، قال القرطبي بالإجماع، وقد روت عائشة أنها كانت تطبخ اللحم فتعلو الصفرة على البرمة من الدم، فيأكل ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا ينكره.
وأما لحم الخنزير فظاهر هذه الآية والآية الأخرى أعني قوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير) أن المحرم إنما هو اللحم فقط، وقد أجمعت الأمة على تحريم شحمه كما حكاه القرطبي في تفسيره، وقد ذكرت جماعة من أهل العلم أن اللحم يدخل تحته الشحم، وحكى القرطبي الإجماع أيضاً على أن جملة الخنزير محرمة إلا الشعر فإنه تجوز الخرازة به، وقيل: أراد بلحمه جميع أجزائه، وإنما خص اللحم بالذكر لأنه المقصود لذاته بالأكل، واختلفوا في نجاسته فقال الجمهور أنه نجس وقال مالك أنه طاهر وكذا كل حيوان عنده، لأن علة الطهارة هي الحياة، وللشافعي قولان في ولوغ الخنزير (الجديد) أنه كالكلب (والقديم) يكفي فيه غسلة واحدة.
والآية قصر قلب للرد على من استحل هذه الأربعة وحرم الحلال غيرها كالسوائب ومع ذلك هو نسبي أي ما حرم عليكم إلا هذه الأربعة لا غيرها من البحيرة وما بعدها في الآية وإن كان حرم غيرها من الأمور المذكورة في أول المائدة.
(وما أهل به لغير الله) يعني ما ذبح للأصنام والطواغيت وصيح في ذبحه لغير الله، وأصل الإهلال رفع الصوت يقال أهل بكذا أي صرخ ورفع صوته ومنه إهلال الصبي واستهلاله، وهو صياحه عند ولادته، ومنه الهلال لأنه يصرخ عند رؤيته، والمراد هنا ما ذكر عليه اسم غير الله تعالى كاللات والعزى إذا كان الذابح وثنياً، والنار إذا كان الذابح مجوسياً. ولا خلاف في تحريم هذا وأمثاله.
ومثله ما يقع من المعتقدين للأموات من الذبح على قبورهم، فإنه مما أهل به لغير الله، ولا فرق بينه وبين الذبح للوثن، قال مجاهد: يعني ما ذبح لغير الله، أخرجه ابن أبي حاتم، وفي تفسير النيسابوري للنظام قال العلماء لو أن مسلماً ذبح ذبيحة وقصد بذبحها التقرب إلى غير الله صار مرتداً، وذبيحته ذبيحة مرتد انتهى.
وقال صاحب الروض: إن المسلم إذا ذبح للنبي - صلى الله عليه وسلم - كفر وانتهى، وهذا القائل من الشافعية.
قال الشوكاني: وإذا كان الذبح لسيد الرسل صلى الله عليه وآله وسلم كفراً عنده فكيف بالذبح لسائر الأموات، انتهى.
وقيل أن المراد بذلك ذبائح عبدة الأوثان التي كانوا يذبحونها لأصنامهم كما تقدم وأجازوا ذبيحة النصارى إذا سمي عليها باسم المسيح، وهو مذهب عطاء ومكحول والحسن والشعبي وسعيد بن المسيب لعموم قوله تعالى (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: لا يحل ذلك، والحجة فيه أنهم إذا ذبحوا على اسم المسيح فقد أهلوا به لغير الله فوجب أن يحرم، ورُوي عن علي أنه قال: إذا سمعتم اليهود والنصارى يهلون لغير الله فلا تأكلوا وإذا لم تسمعوهم فكلوا، فإن الله قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون.
(فمن اضطر) إلى شيء من هذه المحرمات، والمضطر هو المكلف بالشيء الملجأ إليه المكره عليه والمراد هنا من خاف التلف، والمضطر إما بإكراه فيبيح ذلك إلى زوال الإكراه، أو يجوع في مخمصة، فإن كانت دائمة فلا خلاف في جواز الشبع منها، وإن كانت نادرة فقال الشافعي: يأكل ما يسد به الرمق، وبه قال أبو حنيفة أو يأكل قدر الشبع، وبه قال مالك، فأكل (غير باغ) بالاستئثار على مضطر آخر أو على الوالي وأصل البغي الفساد (ولا عاد) اسم فاعل أصله من العدوان وهو الظلم ومجاوزة الحد، والمراد بالباغي من يأكل فوق حاجته، والعادي من يأكل هذه المحرمات وهو يجد عنها مندوحة وبلغة، وقال ابن عباس: باغ في الميتة وعاد في الأكل وقيل غير باغ على المسلمين ولا معتد عليهم، فيدخل في الباغي والعادي قاطع السبيل والخارج على السلطان والمفارق للجماعة والأئمة، والمفسد في الأرض وقاطع الرحم، وقيل المراد غير باغ على مضطر آخر ولا عاد لسد الجوعة، قاله سعيد بن جبير.
(فلا إثم عليه) في تناوله ولا حرج، ومن أكله وهو غير مضطر فقد بغى واعتدى (إن الله غفور) لمن أكل من الحرام (رحيم) به إذ أحل له الحرام في الاضطرار. [[روى أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد عن سَمَاك بن حرب عن جابر بن سَمُرة أن رجلاً نزل الحَرّة ومعه أهله وولده، فقال رجل: إن ناقة لي ضَلّت فإن وجدتها فأمسكها؛ فوجدها فلم يجد صاحبها فمرضت، فقالت امرأته: انحرها، فأبى فَنَفَقَت. فقالت: اسلخها حتى نُقدّد لحمها وشحمها ونأكله، فقال: حتى أسال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فسأله، فقال: " هل عندك غنىَّ يغنيك " قال لا، قال: " فكلوها " قال: فجاء صاحبها فأخبره الخبر؛ فقال: أفلا كنت نحرتها! فقال: أستحييت منك.]] إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)
{"ayah":"إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡمَیۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِیرِ وَمَاۤ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَیۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَیۡرَ بَاغࣲ وَلَا عَادࣲ فَلَاۤ إِثۡمَ عَلَیۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق