الباحث القرآني

(لا جرم) قال الخليل: هي كلمة تحقيق ولا يكون إلا جواباً أي حقاً، قلت لا نافية وجرم بمعنى بد، وهذا بحسب الأصل، وأما الآن فقد ركبت لا مع جرم تركيب خمسة عشر وجعلا بمعنى كلمة واحدة، وتلك الكلمة مصدر أو فعل معناه حق وثبت. وقوله (إن الله) فاعل لا جرم وقد مر تحقيق الكلام في لا جرم بأبسط من هذا قال أبو مالك لا جرم، يعني الحق، وقال الضحاك لا كذب (يعلم ما يسرون) من أقوالهم وأفعالهم (وما يعلنون) من ذلك (إنه لا يحب المستكبرين) أي لا يحب هؤلاء الذين يستكبرون عن توحيد الله والاستجابة لأنبيائه، والجملة تعليل لما تضمنه الكلام المتقدم. أخرج مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان "، فقال رجل يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً؛ فقال: " إن الله جميل يحب الجمال؛ الكبر من بطر الحق وغمطُ الناس " [[مسلم 91.]]. وفي ذم الكبر ومدح التواضع أحاديث كثيرة، وكذلك في إخراج محبة حسن الثوب وحسن المنعل ونحو ذلك من الكبر أحاديث كثيرة، فقد روي عن الحسين بن علي أنه مرّ بمساكين قد قدموا كسراً لهم وهم يأكلون فقالوا الغذاء يا أبا عبد الله فنزل وجلس معهم وقال إنه لا يحب المستكبرين ثم أكل فلما فرغوا قال: قد أجبتكم فأجيبوني فقاموا معه إلى منزله فأطعمهم وسقاهم وأعطاهم فانصرفوا. قال العلماء؛ كل ذنب يمكن ستره وإخفاؤه إلا التكبر فإنه فسق يلزمه الإعلان وهو أصل العصيان كله، وفي الحديث الصحيح " أن المتكبرين أمثال الذر يوم القيامة تطؤهم الناس بأقدامهم لتكبرهم " [[الترمذي كتاب القيامة باب 47 - الإمام أحمد 2/ 179.]] أو كما قال صلى الله عليه وسلم " تصغر لهم أجسامهم في المحشر حين يضرهم تصغيرها وتعظم لهم في النار حين يضرهم عظمها " ذكره القرطبي. والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بينَّ ماهية الكبر أنه بطر الحق وغمط الناس، فهذا هو الكبر المذموم، وقد ساق صاحب الدر المنثور عند تفسيره لهذه الآية أحاديث كثيرة ليس هذا مقام إيرادها، بل المقام مقام ذكر ما له علاقة بتفسير الكتاب العزيز. ثم شرع في ذكر شيء من قبائح المشركين فقال
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب