الباحث القرآني

(ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم) استفهام تقرير يحتمل أن يكون هذا خطاباً من موسى لقومه فيكون داخلاً تحت التذكير بأيام الله ويحتمل أن يكون من كلام الله سبحانه ابتداء خطاباً لقوم موسى وتذكيراً لهم بالقرون الأولى وإخبارهم ومجيء رسل الله إليهم، ويحتمل أنه ابتداء خطاب من الله تعالى لقوم محمد صلى الله عليه وسلم تحذيراً لهم عن مخالفته والنبأ الخبر والجمع الأنباء. (قوم نوح وعاد وثمود) بدل من الموصول أو عطف بيان (والذين من بعدهم) أي من بعد هؤلاء الأمم الماضية الثلاثة (لا يعلمهم) أي لا يحصى عددهم ومقاديرهم ولا يحيط بهم علماً (إلا الله) سبحانه والجملة معترضة وعدم العلم من غير الله إما أن يكون راجعاً إلى صفاتهم وأحوالهم وأخلاقهم ومدد أعمارهم أي هذه الأمور لا يعلمها إلا الله ولا يعلمها غيره أو يكون راجعاً إلى ذواتهم أي أنه لا يعلم ذوات أولئك الذين من بعدهم إلا الله سبحانه ولم يبلغنا خبرهم أصلاً. وعن ابن مسعود أنه كان يقرأ والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ويقول كذب النسابون، وعن عمرو بن ميمون مثله، وعن أبي مجلز قال: قال رجل لعلي بن أبي طالب أنا أنسب الناس قال إنك لا تنسب الناس، فقال بلى، فقال له عليّ أرأيت قوله عاداً وثمود وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً قال أنا أنسب ذلك الكثير قال أرأيت قوله والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله، فسكت، وعن عروة بن الزبير قال: ما وجدنا أحداً يعرف ما وراء معدَّ بن عدنان، وعن ابن عباس قال: ما بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أباً لا يعرفون. (جاءتهم رسلهم بالبينات) أي المعجزات الظاهرة والدلالات الباهرة والشرائع الواضحة مستأنف وهذا في المعنى تفسير لنبأ الذين من قبلهم (فردوا أيديهم) أي جعلوا أيدي أنفسهم (في أفواههم) ليعضوها غيظاً مما جاءت به الرسل كما في قوله تعالى (عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) لأن الرسل جاءتهم بتسفيه أحلامهم وشتم أصنامهم. وقيل أن المعنى أنهم أشاروا بأصابعهم إلى أفواههم لما جاءتهم الرسل بالبينات أي اسكتوا واتركوا هذا الذي جئتم به تكذيباً لهم ورداً لقولهم، وقيل المعنى أنهم أشاروا إلى ألسنتهم وما يصدر عنها من قولهم إنا كفرنا بما أرسلتم به أي لا جواب لكم سوى هذا الذي قلناه لكم بألسنتنا هذه، قيل وضعوا أيديهم على أفواههم استهزاء وتعجباً كما يفعله من غلبه الضحك من وضع يده على فيه. وقيل المعنى ردوا على الرسل قولهم وكذبوهم بأفواههم، فالضمير الأول للرسل، والثاني للكفار، وقيل جعلوا أيديهم في أفواه الرسل رداً لقولهم؛ فالضمير الأول على هذا للكفار، والثاني للرسل، وقيل معناه أومأوا إلى الرسل أن اسكتوا، وقيل أخذوا أيدي الرسل ووضعوها على أفواه الرسل ليسكتوهم ويقطعوا كلامهم، والمراد بهما على هذا هاتان الجارحتان المعلومتان. وقيل أن الأيدي هنا النعم أي ردوا نعم الرسل بأفواههم أي بالنطق والتكذيب، والمراد بالنعم هنا ما جاءوهم به من الشرائع، وقال أبو عبيدة ونعم ما قال هو ضرب مثل أي لم يؤمنوا ولم يجيبوا، والعرب تقول للرجل إذا أمسك عن الجواب وسكت قد رد يده في فيه، وهكذا قال الأخفش. واعترض على ذلك القتيبي فقال: لم يسمع أحد من العرب يقول رد يده في فيه إذا ترك ما أمر به، وإنما المعنى عضوا على الأيدي حنقاً وغيظاً، وهذا هو القول الذي قدمناه على جميع هذه الأقوال، وبه قال ابن مسعود وهو أقرب التفاسير للآية إن لم يصح عن العرب ما ذكره الأخفش وأبو عبيدة، فإن صح ما ذكراه فتفسير الآية به أقرب. (وقالوا) أي الكفار للرسل (إنا كفرنا بما أرسلتم به) من البينات على زعمكم (وإنا لفي شك) عظيم (مما تدعوننا إليه) من الإيمان بالله وحده وترك ما سواه (مريب) أي موجب للريب، يقال أربته إذا فعلت أمراً أوجب ريبة وشكاً، والريب قلق النفس وعدم سكونها وأن لا تطمئن إلى شيء. وقد قيل كيف صرحوا بالكفر ثم بنوا أمرهم على الشك وأجيب بأنهم أرادوا أنّا كافرون برسالتكم وإن نزلنا عن هذا المقام فلا أقل من أنّا نشك في صحة نبوتكم ومع كمال الشك لا مطمع في الاعتراف بنبوتكم، وقيل كانوا فرقتين إحداهما جزمت بالكفر، والأخرى شكت، وقيل أن كفرهم بالمعجزات وشكهم في التوحيد فلا تخالف. قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب