الباحث القرآني

(وما أرسلنا من رسول إلا) متلبساً (بلسان قومه) متكلماً بلغتهم لأنه إذا كان كذلك فهم عنه المرسل إليهم ما يقوله لهم ويدعوهم إليه وسهل عليهم ذلك بخلاف ما لو كان بلسان غيرهم فإنهم لا يدرون ما يقول ولا يفهمون ما يخاطبهم به حتى يتعلموا ذلك اللسان دهراً طويلاً ومع ذلك فلا بد أن يصعب عليهم فهم ذلك بعض صعوبة، ولهذا علّل سبحانه ما امتن به على العباد بقوله: (ليبين) أي ليوضح (لهم) ما أمرهم الله به من الشريعة التي شرعها لهم ووحد اللسان لأن المراد بها اللغة. عن ابن عباس أن الله فضل محمداً على أهل السماء وعلى الأنبياء. قيل ما فضله على أهل السماء؟ قال: إن الله قال لأهل السماء (ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم) وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فكتب له براءة من النار. قيل فما فضله على الأنبياء؟ قال: إن الله يقول (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) وقال لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم (وما أرسلناك إلا كافة للناس) فأرسله إلى الإنس والجن. وقال عثمان بن عفان: نزل القرآن بلسان قريش. وعن مجاهد مثله، وقد قيل في هذه الآية إشكال لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل إلى الناس جميعاً بل إلى الجن والإنس ولغاتهم متباينة وألسنتهم مختلفة وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم وإن كان مرسلاً إلى الثقلين كما مر، لكن لما كان قومه العرب وكانوا أخص به وأقرب إليه، كان أرساله بلسانهم أولى من أرساله بلسان غيرهم وهم يبينونه لمن كان على غير لسانهم ويوضحونه حتى يصير فاهماً له كفهمهم إياه. ولو نزل القرآن بجميع لغات من أرسل إليهم وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل قوم بلسانه، لكان ذلك مظنةً للاختلاف، وفتحاً لباب التنازع، لأن كل أمة قد تدعي من المعاني في لسانها ما لا يعرفه غيرها، وربما كان ذلك أيضاً مفضياً إلى التحريف والتصحيف بسبب الدعاوى الباطلة التي يقع فيها المتعصبون. قال في الجمل والأولى أن يحمل القوم على من أرسل إليهم الرسول أياً كان وهم بالنسبة لغير سيدنا محمد خصوص عشيرة رسولهم، وبالنسبة إليه كل من أرسل إليه من سائر القبائل وأصناف الخلق وهو صلى الله عليه وسلم كان يخاطب كل قوم بلغتهم، وإن لم يثبت أنه تكلم باللغة التركية لأنه لم يتفق أنه خاطب أحداً من أهلها، ولو خاطبه لكلمه بها، تأمل انتهى. (فيضل الله من يشاء) إضلاله فيه التفات عن التكلم إلى الغيبة (ويهدي من يشاء) هدايته، والجملة مستأنفة. قال الفراء: إذا ذكر فعل وبعده فعل آخر فإن لم يكن النسق مشاكلاً للأول فالرفع على الاستئناف هو الوجه، يعني لا يجوز نصبه عطفاً على ما قبله لأن المعطوف كالمعطوف عليه في المعنى، والرسل أرسلت للبيان لا للضلال. وقال الزجاج: ولو قرئ بنصبه على أن اللام لام العاقبة جاز، والمعنى على الأول وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم تلك الشرائع باللغة التي ألفوها وفهموها، ومع ذلك فإن المضل والهادي هو الله عز وجل، والبيان لا يوجب حصول الهداية إلا إذا جعله الله سبحانه واسطة وسبباً، وتقديم الإضلال على الهداية لأنه متقدم عليها إذ هو إبقاء على الأصل، والهداية إنشاء ما لم يكن. (وهو العزيز) الذي لا يغالبه مغالب في ملكه (الحكيم) الذي تجري أفعاله على مقتضى الحكمة في صنعه. وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) ثم لما بيَّن أن المقصود من بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور؛ أراد أن يبين أن الغرض من إرسال الأنبياء لم يكن إلا ذلك وخص موسى بالذكر لأن أمته أكثر الأمم المتقدمة على هذه الأمة المحمدية فقال
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب