(فلما استيأسوا منه) أي يئسوا من يوسف وإجابته إياهم وإسعافهم منه إلى مطلبهم الذي طلبوه، والسين والتاء للمبالغة، قاله الزمخشري والبيضاوي. قال ابن إسحاق أي أيسوا منه ورأوا شدته في أمره.
قال أبو عبيدة: استيأسوا أي استيقنوا أن الأخ لا يرد عليهم، وقيل أيسوا من أخيهم أن يرد إليهم، والأول أولى.
(خلصوا نجياً) أي انفردوا عن الناس واعتزلوا مجلسه وانحازوا على حدة حال كونهم متناجين متحدثين فيما بينهم ليس فيهم غيرهم في التشاور في أمر هذه القضية وهو مصدر يقع على الواحد والجمع كقوله (وقربناه نجياً).
قال الزجاج: معناه انفردوا وليس معهم أخوهم متناجين فيما يعملون به في ذهابهم إلى أبيهم من غير أخيهم، وقال قتادة وحدهم.
(قال كبيرهم) قيل هو روبيل لأنه الأسن وهو الذي كان نهاهم عن قتله وكان أكبر القوم في الميلاد قاله قتادة، وقيل كبيرهم في العقل والعلم لا في السن وقيل يهوذا لأنه الأوفر عقلاً.
وقيل شمعون لأنه رئيسهم (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقاً) أي عهدا (من الله) في حفظ ابنه ورده إليه، ومعنى كونه من الله أنه بإذنه ذكره النحاس وغيره.
(ومن قبل ما فرطتم في يوسف) أي وألم تعلموا أن تفريطكم في أمر يوسف عليه السلام كائن من قبل تفريطكم في بنيامين أو من قبل أخذكم العهد في شأنه، على أن ما مصدرية، ويجوز أن تكون زائدة والأول أولى، والمعنى قصرتم في شأنه ولم تحفظوا عهد أبيكم فيه.
(فلن أبرح الأرض) يقال برح براحاً وبروحاً أي زال فإذا دخله النفي صار مثبتاً أي لن أبرح من أرض مصر بل ألزمها ولا أفارقها ولا أزال مقيماً فيها على أن أبرح هنا تامة (حتى يأذن لي أبي) في مفارقتها والخروج منها بالعود إليه وإنما قال ذلك لأنه يستحي من أبيه أن يأتي إليه بغير ولده الذي أخذ عليهم الميثاق بإرجاعه إليه إلا أن يحاط بهم كما تقدم.
(أو يحكم الله لي) بمفارقتها والخروج منها، وقيل المعنى أو يحكم الله لي بخلاص أخي من الأسر حتى يعود إلى أبي وأعود معه، وقيل المعنى أو يحكم الله لي بالنصر على من أخذ أخي فأجازيه وأخذ أخي منه أو أعجز فأنصرف بعد ذلك قال مجاهد: أقاتل بسيفي حتى أقتل، وعن أبي صالح نحوه (وهو خير الحاكمين) لأن أحكامه لا تجري إلا على ما يوافق الحق ويطابق الصواب ومراده بهذا الكلام الالتجاء إلى الله في إقامة عذره إلى والده يعقوب.
ثم قال كبيرهم مخاطباً لهم
{"ayah":"فَلَمَّا ٱسۡتَیۡـَٔسُوا۟ مِنۡهُ خَلَصُوا۟ نَجِیࣰّاۖ قَالَ كَبِیرُهُمۡ أَلَمۡ تَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ أَبَاكُمۡ قَدۡ أَخَذَ عَلَیۡكُم مَّوۡثِقࣰا مِّنَ ٱللَّهِ وَمِن قَبۡلُ مَا فَرَّطتُمۡ فِی یُوسُفَۖ فَلَنۡ أَبۡرَحَ ٱلۡأَرۡضَ حَتَّىٰ یَأۡذَنَ لِیۤ أَبِیۤ أَوۡ یَحۡكُمَ ٱللَّهُ لِیۖ وَهُوَ خَیۡرُ ٱلۡحَـٰكِمِینَ"}