الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿لاَ تُحِلُّوا شَعائرَ اللهِ﴾، إلى قوله: ﴿ورِضْوَاناً﴾.
قال مجاهد وابن زيد والسُّدِّي والشعبي: نسخ الله من ذلك نهيه أن يُعرَض لأحد ممّن يقصِدُ البيتَ الحرام من المشركين في قوله: ﴿ولاَ آمِّينَ البيتَ الحَرامَ﴾ [المائدة: 2]، بقوله: ﴿فاقتلُوا المُشْرِكينَ حَيْثُ وَجَدتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: 5]، فأباح قتلَ مَنْ أمَّ البيتَ من المشركين. - وهذا (إنما) يجوز على قول من قال: إن براءة نزلت بعد المائدة -.
فأما من قال: إن المائدة نزلت بعد براءة، فإنه يجعل آية براءة مخصَّصةً بآية المائدة ومبيّنةً أن المراد بآية براءة قتلُ كُلِّ مشرك غيرِ آمِّ البيت الحرام - وهذا (على) قول ما قال: ليس في المائدة منسوخ -.
قال ابنُ عباس: كان المشركون والمؤمنون يحجون البيتَ، فنهى الله المؤمنين في هذه الآية أن يمنعوا المشركينَ من الحج، ثم نسخ الله ذلك بقوله: ﴿مَا كان لِلْمُشْرِكينَ أن يَعْمُرُوا مسَاجِدَ اللهِ﴾ [التوبة: 17] وبقوله: ﴿إنما المشركون نَجَسٌ﴾ (وبقوله): ﴿إنّما يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ باللهِ﴾[التوبة: 18].
قال قتادة: كان الرجل إذا خرج إلى الحج تقلَّد من السَّمُر - وهو شجر - فلا يعرضُ له أحد [ولا يُصَدُّ عن البيت، وإذا رجع تَقَلَّد قِلادةً من شعر؛ فلا يعرض له أحد، قال] فأمر الله - جلّ ذكره - أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام، بقوله: ﴿ولاَ الشّهرَ الحَرامَ﴾ [المائدة: 2]، ثم نسخ ذلك كُلَّه بقوله: ﴿فاقتلوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: 5].
وعن مجاهد أنه قال: لم يُنْسَخ من المائدة إلا القلائد، كان الرجل يتقلَّدُ بالشيء من لِحاء شجر الحرم فلا يؤذي فيكون التقديرُ على هذه الأقوال: ولا أصحابَ القلائد، قال: فنسخَ اللهُ - سبحانه - ذلك بقوله: ﴿فاقْتُلُوا المُشْرِكين﴾ - الآية -. قال: ومعنى ﴿لاَ تُحِلُّوا شَعائرَ الله﴾[المائدة:2] لا تتعرضوا لِسَخَطِه وابتغوا طاعتَه، فهو محكم لا يجوز نسخُه على هذا التأويل.
وقال الشعبي: نُسِخَ مِن هذه السورة خمسةُ أحكام: قوله: ﴿لا تُحِلُّوا شعائرَ اللهِ﴾ إلى قوله: ﴿الحرام﴾، قال: نُسِخَ ذلك كُلُّه بالأمر بالقتل حيثُ وجدوا.
وأكثرُ العلماء على أن قوله: ﴿لاَ تُحِلُّوا شَعَائِرَ الله﴾ محكمٌ غيرُ منسوخ، ومعناه: لا تستحلوا حدودَه ومعالمه وحُرُماتِه، وهذا لا يجوز نسخُه.
قال ابنُ عباس: شعائرُ الله: مناسك الحج، فمعنى الآية: لا ترتكبوا ما نهيتُكُم عنه من صَدٍّ وغيره. وهذا كُلُّه لا يجوز نسخُه.
وقد قال أبو عبيد: الشعائر: الهدايا، وقيل: الشعائر: العلامات التي بين الحلِّ والحَرَم.
فأما قولُه: ﴿ولا الشهرَ الحرامَ﴾ [المائدة: 2]، فهو عند أكثر العلماء منسوخٌ لأنه - تعالى ذكره - نهى أن يقاتَل المشركون في الشَّهرِ الحرامِ، ثم نُسِخَ ذلك، وقد تقدم ذكرُه في البقرة. والشهرُ الحرام: - هنا - يراد به رجبٌ، وقيل: ذو القعدة.
وقوله: ﴿ولاَ الهَديَ ولاَ القَلاَئِدَ﴾، وقد تقدم القول فيه أنه منسوخٌ بالأمر بقتل المشركين حيثُ وُجدوا، ومعناه: ولا أصحابَ الهدي ولا أصحابَ القلائد. فكان النهيُ عامّاً عن قتل المشركين أصحاب الهدي والقلائد، ثم نسخ ذلك بقوله: ﴿فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُمُوهُمْ﴾ على ما تقدم من الاختلاف.
وقد قيل: إن هذا كُلَّه محكم غيرُ منسوخ. نهى الله - جلَّ ذِكرُه - المؤمنين أن يمنعوا هدي المؤمن المقلّد وغيرَ المقلّد عن أن يصل إلى محلّه، كما فعل المشركون بالنبي ﷺ وأصحابه في غزاة الحديبية؛ إذ صدّوهم عن البيت، وصدّوا الهديَ أن يبلُغَ مَحِلَّه، فهي في المؤمنين خاصة محكمة، وهي مثل قوله: ﴿ولاَ تَأْكُلُوا أمْوَالَكُم بِيْنَكُم بِالبَاطِلِ﴾ [البقرة: 188] إلى قوله: ﴿ولاَ آمِّينَ البَيْتَ الحَرامَ﴾ [المائدة: 2]، وهذا وحده منسوخ بآية السيف على ما قدَّمنا.
وقد قيل: إنه مخصوصٌ في أمر بعينه نزل في الحُطَم بن هند وقيل (هو) الحطيم بن ضبيعة أتى حاجّاً، وقد قلّد (هدية) فأراد أصحابُ النبي الخروجَ إليه فنهوا عن ذلك بهذه الآية، وبهذا القول قال ابنُ جريجٍ وغيرُه.
وأكثرُ الناس على أن المائدةَ نزلت بعد براءة، فلا يجوز على هذا أن ينسخ ما في براءة ما في المائدة، لأن الآيةَ لا تنسخ ما لم ينزل بعد. ومَن قال هذا، جعل: ﴿ولاَ آمِّينَ البَيْتَ الحَرامَ﴾ منسوخاً بالإِجماع على أن المشرك لا يقربُ المسجد الحرام، وهذا إنما يجوز على قول من أجاز أن ينسخ الإِجماعُ القرآن وليس هو قولَ مالكٍ ولا أصحابه، ولكن تكون الآية - على قول مالك وأصحابه، ومن لم يُجِزْ أن ينسخ الإِجماعُ القرآنَ - مخصوصةً في المؤمنين الذين يقصدون البيتَ الحرامَ، فهو محكم، فلا يجوز نسخُه؛ لأن المسلم نفسَه ومالَه وعرضَه مُحَرَّم، وإنما خصَّ ذكرَ الآمّين للبيت الحرام، وغيرُهم في التحريم مثلُهُم؛ لأنهم أعظمُ حرمةً وآكدُ في التحريم لقصدِهمُ البيتَ الحرامَ وابتغائِهم ما عند الله وإلاَّ فالتحريم (في) أن يحلّ أذى المسلم حيث كان واحِد، وهذا كما قال: ﴿مِنْهَا أَربَعَةٌ حُرُمٌ... فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنّ أنفُسَكُم﴾ أي: لا يظلم بعضكم بعضاً في هذه الأربعة (الأشهر) الحرُم، والظلم ممنوع منه في كل الشهور، ولكن خصّ ذكر الأشهر الحرم لِعِظَم قدرها، وَعِظَمِ الذنب فيها، - ولهذا نظائر، يخص الشيء بالذكر لتأكيد حاله وجلالة أمره - وغيرُه مثله.
قوله تعالى: ﴿ولاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنئَانُ قومٍ أَن صَدُّوكُم عن المَسْجِدِ الحَرامِ أَن تَعْتَدُوا﴾ [المائدة: 2]:
نهاهم الله عن الاعتداء لأجل بغضهم لقوم.
قال ابن زيد: هو منسوخ بالأمر بالقتال والجهاد، وقتلُهم وجهادُهم من أعظم الاعتداء عليهم وهو مأمورٌ به فيهم.
وقال مجاهد وغيرُه: الآيةُ مخصوصةٌ محكمةٌ غيرُ منسوخة. نزلت الآيةُ في مطالبة المسلمينَ المشركينَ بـ "ذحول" الجاهلية لأجل أن صدّوهم عن المسجد الحرام عام الحديبية.
(فالمعنى): لا يحملنَّكُم بغضُ مَن صدَّكُم عن المسجد الحرام (عام الحديبية) أن تطالبوهم بما مضى في الجاهلية من قتلٍ أو غيرِه، فما هُم عليه من الكفر أعظمُ من ذلك، وقد قال النبي - عليه السلام -: "لعن الله من قتل بـِ "ذَحْلٍ" كان في الجاهلية" وهذا القول أولى بالآية وأحسن.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تُحِلُّوا۟ شَعَـٰۤىِٕرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَلَا ٱلۡهَدۡیَ وَلَا ٱلۡقَلَـٰۤىِٕدَ وَلَاۤ ءَاۤمِّینَ ٱلۡبَیۡتَ ٱلۡحَرَامَ یَبۡتَغُونَ فَضۡلࣰا مِّن رَّبِّهِمۡ وَرِضۡوَ ٰنࣰاۚ وَإِذَا حَلَلۡتُمۡ فَٱصۡطَادُوا۟ۚ وَلَا یَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ أَن صَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ أَن تَعۡتَدُوا۟ۘ وَتَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰنِۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق