قوله تعالى: ﴿الشَّهْرُ الحَرَامُ بالشَّهْرِ الحَرَامِ، والحُرُماتُ قِصَاصٌ، فَمَن اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم﴾.
قال ابنُ عبّاس: إباحةُ الاعتداء منسوخٌ، لأَنَّ الله جلَّ ذكره ردَّه إلى السلطان، ولا يجوز لأحدٍ أن يقتصَّ ممّن اعتدَى عليه إلاَّ بالسلطان، ولا يقطعُ يدَ سارقٍ إلاَّ بالسلطان.
(قال أبو محمد): وهذا القولُ إنما يجوزُ على مذهب من أجاز نسخَ القرآن بالسُّنَّة المتواترة.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال: نسخها قولُه تعالى: ﴿ومَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلطاناً﴾ [الإسراء: 33] قال: يأتي السلطانَ حتى ينتصفَ منه له.
قال أبو محمد: وهذا (لا) يصِحُّ عن ابن عباس، لأَنَّ السُّلطانَ هاهنا: الحجَّة؛ ولأنَّ سورة "سبحان" مكيةٌ، والبقرة: مدنيةٌ. ولا ينسخُ المكيُّ المدنيَّ؛ لأنه نزل قبلَ المدني، والناسخ لا يصِحُّ أن يكونَ نزولُه إلاَّ بعد المنسوخ. وأيضاً فإنَّ الرُّجوعَ إلى السُّلطان في القصاص، إنما أُخِذَ بالإِجماع، والإِجماع لا ينسخُ القرآنَ لكنه يبيِّنهُ كما تبيِّنُه الأخبارُ من السُنن.
فهذا مثل قوله ﴿وجزاءُ سيِّئةٍ سيّئةٌ مثلُها﴾ [الشورى: 40].
وقيل: الآيةُ نزلَت في إباحة قتال مَن قاتلهم إلى الآن في الشَّهرِ الحرام، وفُهِمَ منها منعُ قتال من لم يقاتِلْهُمْ في الشَّهرِ الحرام، وإباحةُ ذلك في غير الشهر الحرام، ثم نُسِخَ ذلك بالأمر بالقتال في الشّهر الحرام، وإن لم يقاتلوهم، بقوله تعالى: ﴿فاقتلوا المشركينَ حيثُ وَجَدتموهم﴾ [التوبة: 5] في براءة.
(قال أبو محمد): وهذا القولُ أَبينُ الأقوال فيها، لكنَّه نسخَ مفهومَ التلاوة. وله نظائرُ ستراها.
وقال مجاهد: الآيةُ محكمةٌ غيرُ منسوخةٍ، والمعنى: فمن اعتدى عليكم في الحرم فاعتدوا عليه بمثلِ ما اعتدى عليكُم، أي: من قاتلكم (في الحرمِ) فقاتلوه فيه، ولا يحلّ أن تبدؤا بالقتال في الحرَم - عندَه - (إلى الآن).
وأكثرُ الناس على خلافه.
{"ayah":"ٱلشَّهۡرُ ٱلۡحَرَامُ بِٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡحُرُمَـٰتُ قِصَاصࣱۚ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَیۡكُمۡ فَٱعۡتَدُوا۟ عَلَیۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَیۡكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِینَ"}