الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين﴾ الآية:
الأشهرُ المعوَّلُ عليه في هذه الآية أنها منسوخةٌ بقوله تعالى: ﴿فَمَن شَهِدَ منكُمُ الشَّهرَ فَلْيَصُمْه﴾ [البقرة: 185].
وذلك أن الله - جلَّ ذكْرُه - فرضَ صوم (شهر) رمضان، (وكان قد) أباحَ بهذه الآيةِ للمقيم القادرِ على الصَّوم أن يُفطِرَ ويطعِمَ عن كل يوم مسكيناً، بقوله: ﴿وعلى الذينَ يُطيقونَه فديةٌ طعامُ مساكين﴾ أي: على الذين يطيقون الصَّومَ ويفطرون فديةٌ، ثم بيَّن الفديةَ، فقال: طعام مسكين يعني: عن كل يوم.
ثم نسخَ ذلك بقوله: ﴿فَمَن شَهِدَ منكُمُ الشَّهرَ فَلْيَصُمْه﴾، [أي: فمن شهده في المصر صحيحاً فليصُمْه] فأوجبَ عليه الصَّومَ.
قال معاذُ بنُ جبل: لما قال الله - جلَّ ذِكْرُه -: ﴿وعلى الذينَ يطيقونَه فديةٌ طعامُ مساكين﴾، كان مَن شاءَ صام ومن شاء أَفطر وأَطعَم مسكيناً عن كُلِّ يوم. قال: ثُمَّ أَوجَبَ اللهُ الصِّيامَ على الصحيح المقيم بقوله: ﴿فَمَن شَهِدَ منكُمُ الشَّهْرَ فليَصُمْه﴾، وثبتَ الإِطعامُ على مَن لا يُطيقُ الصَّومَ إذا أفطرَ مِن كِبَرٍ - وهو قولُ ابن عمر وعِكرمة والحسن وعطاء، وعليه جماعةٌ من العلماء -.
وقال مالك: الآيةُ منسوخةٌ والإِطعامُ عَلى الكبير إذا أفطر ولم يُطِق الصَّومَ، وروي عنه أنه استحبَّ الإِطعامَ للكبيرين إذا (أفطرا) ولم يطيقا الصومَ مِن غير إيجاب.
وأما الحاملُ تخافُ على نَفْسِها فتفطر فعلَيْها القضاءُ إذا وضَعَت. ولا إِطعامَ عليها لأَِنها مريضةٌ.
والمرْضِعُ إذا خَشِيَت على ولدِها فأفطرت فالإِطعامُ عليها مع القضاء إيجابٌ، بخلافِ الحامل والكبيرين؛ (ولأنها) صحيحةٌ، وإنما أَفطرت من أجل ولَدها.
فأما المريضُ فلا إطعامَ عليه إذا أفطر ولم يقدِر على الصَّوم، وعليه القضاءُ إذا صحَّ. وكذلك المسافرُ لقوله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَرِيضاً أو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184] أي: فعليه صومُ عِدَّةِ ما أفطر من أيام أُخَر، لا غير.
وقد روى ابنُ وهب، قال، قال لي مالكٌ في الآية:
إنما ذلك في الرَّجُل يمرضُ فيفطرُ ثُمَّ يبرأُ فلا يقضي ما أفطرَ حتَّى يدركَه رمضانٌ آخر من قابل، فعليه أن يبدأَ برمضان الذي أدركَه، ثم يقضي الذي فاته بعد ذلك، ويُطعِمُ عن كلِّ يوم مُدّاً من حنطة.
قال مالك: وأما رجل اتَّصَل به المرض إلى أن دخل عليه رمضان المقبل، فليس عليه إطعام وعليه القضاءُ على كُلِّ حال.
(قال أبو محمد): وهذا التأويلُ يدلُّ على أن الآيةَ: محكمة عندَه (في هذه) الرِّواية -، ومعنى ﴿الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ - على هذا التأويل -: أي: يطيقون قضاءَ ما عليهم فلا يقضون حتى يأتيَ رمضانٌ آخر فعليهم صومُ الداخل وقضاءُ الفائت بعدَ ذلك وإطعام مُدٍّ عن كل يوم فهي محكمة - على هذا التأويل - وهو قول زيدِ بن اسلم. وقاله ابن شهاب أيضاً. وعنه أنها منسوخةٌ.
وقال قتادةُ: إنما كانَت الرُّخصةُ في الإِفطار والإِطعام للكبيرين يطيقان الصَّومُ، ثم نُسِخَ ذلك بقوله: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُم الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه﴾، قال: والرُّخصَةُ باقية للكبيرين اللَّذيْن لا يطيقان الصومَ، يُفْطران ويُطعِمان. وقد روي [مثلُ ذلك] عن ابن عباس. روي (عنه) أنه قال: نزلَت في الكبيرين اللَّذَيْن لا يطيقان الصَّومَ والمريضِ فهي محكمةٌ غيرُ منسوخةٍ - على هذا القول -.
قال أبو محمد: وهذا التأويلُ إنما يَصِحُّ على قراءَة مَن قرأ: "وعلى الذين يُطَوَّقونه - بالتشديد وفتح الطاء - على معنى: يكلفون الصَّومَ ولا يقدرون عليه فيفطرون، وهي قراءة مرويةٌ عن عائشة - رضي الله عنها - وبذلك قرأ ابن جُبَيْر وعطاء وعكرمة.
وقرأ مجاهد: وعلى الذين يَطّوَّقونه - بفتح الياء وتشديد الطَّاء والواو - على معنى: يتكلفونه. أي: يتكلفونَ الصوم ولا يقدرون عليه.
فهي محكمةٌ غيرُ منسوخة - هاتين القراءتين -. وقد رُوِي عن ابن عباس أنه قرأ: يَطيَّقونه - بفتح الياء الأولى وبياء مشددة مفتوحة بعد الطاء -.
وقد طُعِنَ في هذه القراءة - بالياء -؛ لأن الفعل عينه "واو" ومعناها كمعنى القراءتين اللَّتَيْنِ قبلها في أن الآية محكمةٌ في الكبيرين والمريض.
يُفطِرون إذا لم يقدروا على الصَّوم ويُطعِمون، إلا أنَّ المريضَ يقضي إذا صَحّ، ولا يقضي الكبيران؛ لأنهما لا ينتقلان إلى غير الكِبَر إلاّ أن يكونا مريضين، (أو كانا) صحيحين يقدران على الصوم فيُفْطِرن للمرَض، فلا بدَّ من القضاء - عليهما -.
وأكثرُ النَاس على أنه لا إطعام على المريض.
وقد ذكر الأشعريُّ عن الحسن في هذه الآية قولاً غريباً قال: إن المعنى: وعلى الذين يُطيقون الإِطعامَ ويعجزون عن الصِّيام طعامُ مساكين وقال: هذا قولٌ مروي عن السَّلَف - وهو قولُ الحسن -.
وذكرَ ذلك ابن الأنباري ولم يذكر الحسَن.
قال: وذهبَ ذاهبونَ إلى أن الهاء راجعةٌ على الفداء، وقدَّروه: وعلى الذين يطيقونَ الفداء إذا كرهوا الصَّومَ فديةٌ طعامُ مساكين فَنُسِخَ ذلك بما بعدَه.
قال: وبنى آخرونَ على أن الهاءَ تعودُ على الفداء أيضاً. والآيةُ غيرُ منسوخة. وقالوا: نزلت الرُّخْصَةُ في الشيخ الفاني والعجوز الهرمة فالمعنى - على هذا القول -: وعلى الذين يُطيقونَ الفداءَ، ولا يطيقون الصومَ فديةٌ طعام مساكين. وهذا هو قول الأشعري الذي (حكينا) عنه. قال ابنُ الأنباري: وإنما رجعَت الهاءُ على الفداء، وإن لم يتقدّم ذكرُه، كما رجعت الهاء في قوله: ﴿فَأَصْلَح بَيْنَهُمْ﴾ [البقرة: 182] على غير مذكورين، يريد (أن) الخطابَ يدُلُّ على صاحب الإِضمار، وقد ذكرنا حُكْمَ الشيخ والعجوز وشبهَهُما (في الإِفطار) إذا لم يُطيقوا الصوم.
{"ayah":"أَیَّامࣰا مَّعۡدُودَ ٰتࣲۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِیضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرࣲ فَعِدَّةࣱ مِّنۡ أَیَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِینَ یُطِیقُونَهُۥ فِدۡیَةࣱ طَعَامُ مِسۡكِینࣲۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَیۡرࣰا فَهُوَ خَیۡرࣱ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُوا۟ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق