"فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ".
﴿فَأَعْقَبَهُم﴾ فَأَخَلَفَهُمْ، ﴿نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ أَيْ: صَيَّرَ عَاقِبَةَ أَمْرِهِمُ النِّفَاقَ، يُقَالُ: أَعْقَبَ فَلَانَا نَدَامَةً إِذَا صَيَّرَ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: عَاقَبَهُمْ بِنِفَاقِ قُلُوبِهِمْ. يُقَالُ: عَاقَبْتُهُ وَأَعْقَبْتُهُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ.
﴿إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ﴾ يُرِيدُ حَرَمَهُمُ التَّوْبَةَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ﴿بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَيْسَفُونِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو سُهَيْلٍ نَافِعُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "آيَةُ الْمُنَافِق ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائتُمِنَ خَانَ" [[أخرجه البخاري في الإيمان، باب علامات المنافق: ١ / ٨٩، ومسلم في الإيمان، باب خصال المنافق، برقم (٥٩) : ١ / ٧٨، والمصنف في شرح السنة: ١ / ٧٢.]] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ﴾ يَعْنِي: مَا أَضْمَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ وَمَا تَنَاجَوْا بِهِ بَيْنَهُمْ، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ الْآيَةُ.
قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: حَثَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي ثَمَانِيَةُ آلَافٍ جِئْتُكَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَاجْعَلْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمْسَكْتُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ لِعِيَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ "بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَفِيمَا أَمْسَكْتَ"، فَبَارَكَ اللَّهُ فِي مَالِهِ حَتَّى إِنَّهُ خَلَّفَ امْرَأَتَيْنِ يَوْم مَاتَ فَبَلَغَ ثُمُنُ مَالِهِ لَهُمَا مِائَةً وَسِتِّينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَتَصَدَّقَ يَوْمَئِذٍ عَاصِمُ بْنُ عُدَيٍّ الْعَجْلَانِيُّ بِمِائَةِ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ. وَجَاءَ أَبُو عَقِيلٍ الْأَنْصَارِيُّ وَاسْمُهُ الْحَبَّابُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِتُّ لَيْلَتِي أَجُرُّ بِالْجَرِيرِ الْمَاءَ حَتَّى نِلْتُ صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ فَأَمْسَكْتُ أَحَدَهُمَا لِأَهْلِي وَأَتَيْتُكَ بِالْآخَرِ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَنْثُرَهُ فِي الصَّدَقَةِ، فَلَمِزَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، فَقَالُوا: مَا أَعْطَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَاصِمٌ إِلَّا رِيَاءً، وَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَغَنِيَّانِ عَنْ صَاعِ أَبِي عَقِيلٍ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُذْكِّرَ بِنَفْسِهِ لِيُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: [[انظر: الطبري: ١٤ / ٣٨٣-٣٨٨، الدر المنثور: ٤ / ٢٤٩-٢٥٠.]]
﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ﴾ أَيْ: يَعِيبُونَ ﴿الْمُطَّوِّعِينَ﴾ الْمُتَبَرِّعِينَ ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ يَعْنِي: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَعَاصِمًا.
﴿وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ﴾ أَيْ: طَاقَتُهُمْ، يَعْنِي: أَبَا عَقِيلٍ. وَالْجُهْدُ: الطَّاقَةُ، بِالضَّمِّ لُغَةُ قُرَيْشٍ وَأَهْلِ الْحِجَازِ. وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ بِالْفَتْحِ. قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: الْجُهْدُ بِالضَّمِّ الطَّاقَةُ وَبِالْفَتْحِ الْمَشَقَّةُ.
﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ﴾ يَسْتَهْزِئُونَ مِنْهُمْ، ﴿سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾ أَيْ: جَازَاهُمُ اللَّهُ عَلَى السُّخْرِيَةِ، ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ .
{"ayahs_start":76,"ayahs":["فَلَمَّاۤ ءَاتَىٰهُم مِّن فَضۡلِهِۦ بَخِلُوا۟ بِهِۦ وَتَوَلَّوا۟ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ","فَأَعۡقَبَهُمۡ نِفَاقࣰا فِی قُلُوبِهِمۡ إِلَىٰ یَوۡمِ یَلۡقَوۡنَهُۥ بِمَاۤ أَخۡلَفُوا۟ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا۟ یَكۡذِبُونَ","أَلَمۡ یَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُیُوبِ","ٱلَّذِینَ یَلۡمِزُونَ ٱلۡمُطَّوِّعِینَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ فِی ٱلصَّدَقَـٰتِ وَٱلَّذِینَ لَا یَجِدُونَ إِلَّا جُهۡدَهُمۡ فَیَسۡخَرُونَ مِنۡهُمۡ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنۡهُمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمٌ"],"ayah":"فَلَمَّاۤ ءَاتَىٰهُم مِّن فَضۡلِهِۦ بَخِلُوا۟ بِهِۦ وَتَوَلَّوا۟ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ"}