الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ﴾ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ [[تفسير الطبري ١٣ / ٥٠٥ - ٥٠٦، الدر المنثور ٤ / ٥٥.]] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا قَصَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَأْنَ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ، قَالَ النَّضْرُ: لَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ -أَيْ: مَا هَذَا إِلَّا مَا سَطَّرَهُ الْأَوَّلُونَ فِي كُتُبِهِمْ -فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ الْحَقَّ، قَالَ: فَأَنَا أَقُولُ الْحَقَّ، قَالَ عُثْمَانُ: فَإِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ وَأَنَا أَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَكِنَّ هَذِهِ بَنَاتُ اللَّهِ، يَعْنِي الْأَصْنَامَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ كَانَ هَذَا الَّذِي يَقُولُ مُحَمَّدٌ هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ -"وَالْحَقُّ" نُصِبَ بِخَبَرِ كَانَ، وَهُوَ عِمَادٌ وَصِلَةٌ - ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ كَمَا أَمْطَرْتَهَا عَلَى قَوْمِ لُوطٍ، ﴿أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أَيْ: بِبَعْضِ مَا عَذَّبْتَ بِهِ الْأُمَمَ، وَفِيهِ نَزَلَ: "سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ" [[انظر: الدر المنثور: ٨ / ٢٧٧.]] . [المعارج: ١] . . وَقَالَ عَطَاءٌ: لَقَدْ نَزَلَ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ بِضْعَ عَشْرَةَ آيَةً فَحَاقَ بِهِ مَا سَأَلَ مِنَ الْعَذَابِ يَوْمَ بَدْرٍ [[الدر المنثور: ٨ / ٢٧٨.]] . قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَةً صَبْرًا مِنْ قُرَيْشٍ: طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيٍّ وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ [[أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: ١٤ / ٣٧٢، وأبو عبيد في الأموال (١٥٤) (طبع قطر) من طريق هشيم عن أبي بشر، وفيه: مطعم ابن عدي بدلا من طعيمة ثم قال: هكذا حديث هشيم، فأما أهل العلم بالمغازي فينكرون مقتل مطعم بن عدي، يقولون: مات بمكة موتا قبل بدر، وإنما قتل أخوه طعيمة بن عدي، ولم يقتل صبرا، قتل في المعركة. ومما يصدِّق قولهم الحديث الذي ذكرناه عن الزهري أن النبي ﷺ قال لجبير بن مطعم - حين كلمه في الأسارى -: شيخ لو كان أتانا لشفعناه - يعني أباه مطعم بن عدي - فكيف يكون مقتولا يومئذ، والنبي ﷺ يقول فيه هذه المقالة؟ وأما مقتل عقبة والنضر: فلا يختلفون فيه. (الأموال لأبي عبيد ص ١٥٤ - ١٥٥) .]] . وَرَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الَّذِي قَالَهُ أَبُو جَهْلٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبُهُمُ اللَّهُ﴾ [[أخرجه البخاري في التفسير، باب: وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق ٨ / ٣٠٨.]] . قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: هَذَا حِكَايَةٌ عَنِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ قَالُوهَا وَهِيَ مُتَّصِلَةٌ بِالْآيَةِ الْأُولَى، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُنَا وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُهُ، وَلَا يُعَذِّبُ أُمَّةً وَنَبِيُّهَا مَعَهَا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ ﷺ يَذْكُرُ جَهَالَتَهُمْ وَغَرَّتَهُمْ وَاسْتِفْتَاحَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ: "وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ" الْآيَةَ، وَقَالُوا [[جاء السياق في الطبري هكذا: "وقال حين نعى عليهم سوء أعمالهم: "وما كان الله ليعذبهم. . " وهو أتم.]] "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" ثُمَّ قَالَ رَدًّا عَلَيْهِمْ: "وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ"؟ وَإِنْ كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَإِنْ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ "وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ" [[أخرجه الطبري في التفسير: ١٣ / ٥١٢ - ٥١٣.]] . وَقَالَ الْآخَرُونَ: هَذَا كَلَامٌ +مُسْتَأْنَفٌ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِخْبَارًا عَنْ نَفْسِهِ: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ". وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهَا، فَقَالَ الضَّحَّاكُ وَجَمَاعَةٌ: تَأْوِيلُهَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ مُقِيمٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، قَالُوا: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ مُقِيمٌ بِمَكَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ وَبَقِيَتْ بِهَا بَقِيَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَغْفِرُونَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، ثُمَّ خَرَجَ أُولَئِكَ مِنْ بَيْنِهِمْ فَعُذِّبُوا، وَأَذِنَ اللَّهُ فِي فَتْحِ مَكَّةَ، فَهُوَ الْعَذَابُ الَّذِي وَعَدَهُمْ [[الطبري: ١٣ / ٥١٠ - ٥١١.]] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: لَمْ يُعَذِّبِ اللَّهُ قَرْيَةً حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ مِنْهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا وَيَلْحَقَ بِحَيْثُ أُمِرَ. فَقَالَ: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" [[الطبري: ١٣ / ٥١١.]] يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا خَرَجُوا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾، فَعَذَّبَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: كَانَ فِيكُمْ أَمَانَانِ "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ"، "وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" فَأَمَّا النَّبِيُّ ﷺ فَقَدْ مَضَى وَالِاسْتِغْفَارُ كَائِنٌ فِيكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [[أخرجه الترمذي في التفسير: ٨ / ٤٧٢ - ٤٧٣ مرفوعا وقال: "هذا حديث غريب وإسماعيل بن إبراهيم يضعف في الحديث". وأخرجه الطبري موقوفا على أبي موسى: ١٣ / ٥١٣.]] . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا الِاسْتِغْفَارُ رَاجِعٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ بَعْدَ الطَّوَافِ: غُفْرَانَكَ غُفْرَانَكَ [[الطبري: ١٣ / ٥١١.]] . وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ، فَلَمَّا أَمْسَوْا نَدِمُوا عَلَى مَا قَالُوا، فَقَالُوا غُفْرَانَكَ اللَّهُمَّ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ "وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" [[الطبري: ١٣ / ٥١٢.]] . وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: مَعْنَاهُ: وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، أَيْ: لَوِ اسْتَغْفَرُوا، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَسْتَغْفِرُونَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَرُّوا بِالذَّنْبِ، وَاسْتَغْفَرُوا، لَكَانُوا مُؤْمِنِينَ [[الطبري: ١٣ / ٥١٤.]] . وَقِيلَ: هَذَا دُعَاءٌ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالِاسْتِغْفَارِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، كَالرَّجُلِ يَقُولُ لِغَيْرِهِ لَا أُعَاقِبُكَ وَأَنْتَ تُطِيعُنِي، أَيْ أَطِعْنِي حَتَّى لَا أُعَاقِبَكَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ أَيْ يُسْلِمُونَ. يَقُولُ: لَوْ أَسْلَمُوا لَمَا عُذِّبُوا [[الطبري: ١٣ / ٥١٥.]] . وَرَوَى الْوَالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ وَفِيهِمْ مَنْ سَبَقَ لَهُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يُسْلِمَ وَيُؤْمِنَ وَيَسْتَغْفِرَ [[الطبري: ١٣ / ٥١٦.]] وَذَلِكَ مِثْلُ: أَبِي سُفْيَانَ، وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهِلٍ، وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَغَيْرِهِمْ. وَرَوَى عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ مُجَاهِدٍ: وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ أَيْ وَفِي أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَسْتَغْفِرُ [[قال الطبري رحمه الله: ١٣ / ٥١٧ "وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب، قول من قال: تأويله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" يا محمد، وبين أظهرهم مقيم، حتى أخرجك من بين أظهرهم، لأني لا أهلك قرية وفيها نبيها - "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، من ذنوبهم وكفرهم، ولكنهم لا يستغفرون من ذلك، بل هم مصرون عليه، فهم للعذاب مستحقون ثم قيل: "وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام" بمعنى: وما شأنهم، وما يمنعهم أن يعذبهم الله وهم لا يستغفرون الله من كفرهم فيؤمنوا به، وهم يصدون المؤمنين بالله ورسوله عن المسجد الحرام"؟ .]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب