الباحث القرآني
﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾ نَاصِحٌ أَدْعُوكُمْ إِلَى التَّوْبَةِ أَمِينٌ عَلَى الرِّسَالَةِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: كُنْتُ فِيكُمْ قَبْلَ الْيَوْمِ أَمِينًا.
﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ﴾ يَعْنِي نَفْسَهُ، ﴿لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ﴾
يَعْنِي فِي الْأَرْضِ، ﴿مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ أَيْ: مِنْ بَعْدِ إِهْلَاكِهِمْ، ﴿وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً﴾ أَيْ: طُولًا وَقُوَّةً. قَالَ الْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ: كَانَتْ قَامَةُ الطَّوِيلِ مِنْهُمْ مِائَةَ ذِرَاعٍ، وَقَامَةُ الْقَصِيرِ مِنْهُمْ سِتُّونَ ذِرَاعًا. وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ: سَبْعُونَ ذِرَاعًا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ثَمَانُونَ ذِرَاعًا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ طُولُ كُلِّ رَجُلٍ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا. وَقَالَ وَهْبٌ: كَانَ رَأْسُ أَحَدِهِمْ مِثْلَ الْقُبَّةِ الْعَظِيمَةِ وَكَانَ عَيْنُ الرَّجُلِ تُفْرِخُ فِيهَا الضِّبَاعُ، وَكَذَلِكَ مَنَاخِرُهُمْ.
﴿فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ﴾ نِعَمَ اللَّهِ، وَاحِدُهَا إِلًى وَآلَاءُ مِثْلَ مِعًى وَأَمْعَاءٍ، وَقَفًا وَأَقْفَاءٍ، وَنَظِيرُهَا: (آنَاءَ اللَّيْلِ) [الزمر: ٩] ، وَاحِدُهَا أَنَا وَآنَاءٌ، ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ مِنَ الْأَصْنَامِ، فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا، مِنَ الْعَذَابِ، ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾
﴿قَالَ﴾ هُودٌ، ﴿قَدْ وَقَعَ﴾ وَجَبَ وَنَزَلَ، ﴿عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ﴾ أَيْ عَذَابٌ، وَالسِّينُ مُبْدَلَةٌ مِنَ الزَّايِ، ﴿وَغَضَبٌ﴾ أَيْ: سَخَطٌ، ﴿أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا﴾ وَضَعْتُمُوهَا، ﴿أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾ قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: كَانَتْ لَهُمْ أَصْنَامٌ يَعْبُدُونَهَا سُمَّوْهَا أَسْمَاءَ مُخْتَلِفَةً، ﴿مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ، ﴿فَانْتَظِرُوا﴾ نُزُولُ الْعَذَابِ، ﴿إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾
﴿فَأَنْجَيْنَاهُ﴾ يَعْنِي هُودًا عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ، ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ أَيْ: اسْتَأْصَلْنَاهُمْ وَأَهْلَكْنَاهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، ﴿وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾
وَكَانَتْ قِصَّةُ عَادٍ عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: [[ساق هذه القصة الحافظ ابن كثير في التفسير: ٢ / ٢٢٦-٢٢٧ وفي البداية والنهاية: ١ / ١٢٦-١٢٧. وأشار إلى حديث يشبه هذه القصة، أخرجه الإمام أحمد في المسند: ٣ / ٤٨٢، والترمذي في التفسير، تفسير سورة الذاريات: ٩ / ١٥٩-١٦٢، ورواه أيضا النسائي من حديث سلام بن أبي المنذر عن عاصم بن بهدلة، ومن طريقه ابن ماجه أيضا عن أبي وائل عن الحارث بن حسان البكري، انظر: ابن كثير، الموضع السابق، الدر المنثور: ٧ / ٦٢٢، مجمع الزوائد:٦ / ٩-١٢.]] أَنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا يَنْزِلُونَ الْيَمَنَ وَكَانَتْ مَسَاكِنُهُمْ بِالْأَحْقَافِ، وَهِيَ رِمَالٌ بَيْنَ عَمَّانَ وَحَضْرَمَوْتَ، وَكَانُوا قَدْ فَشَوْا فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا وَقَهَرُوا أَهْلَهَا بِفَضْلِ قُوَّتِهِمُ الَّتِي آتَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانُوا أَصْحَابَ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا، صَنَمٌ يُقَالُ لَهُ صَدَى، وَصَنَمٌ يُقَالُ لَهُ صَمُودٌ، وَصَنَمٌ يُقَالُ لَهُ الْهَبَاءُ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ هُودًا نَبِيًّا، وَهُوَ مِنْ أَوْسَطِهِمْ نَسَبًا وَأَفْضَلِهِمْ حَسَبًا، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ وَيَكُفُّوا عَنْ ظُلْمِ النَّاسِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَذَّبُوهُ فَقَالُوا مِنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً فَبَنَوُا الْمَصَانِعَ وَبَطَشُوا بَطْشَةَ الْجَبَّارِينَ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ أَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْمَطَرَ ثَلَاثَ سِنِينَ حَتَّى جَهَدَهُمْ ذَلِكَ.
وَكَانَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ بَلَاءٌ فَطَلَبُوا الْفَرَجَ كَانَتْ طِلْبَتُهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ بَيْتِهِ الْحَرَامِ بِمَكَّةَ مُسْلِمُهُمْ وَمُشْرِكُهُمْ، فَيَجْتَمِعُ بِمَكَّةَ نَاسٌ كَثِيرٌ شَتَّى، مُخْتَلِفَةٌ أَدْيَانُهُمْ وَكُلُّهُمْ مُعَظِّمٌ لِمَكَّةَ، وَأَهْلُ مَكَّةَ يَوْمَئِذٍ الْعَمَالِيقُ سُمُّوا عَمَالِيقَ، لِأَنَّ أَبَاهُمْ عِمْلِيقُ بْنُ لَاذَا بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَكَانَ سَيِّدَ الْعَمَالِيقِ إِذْ ذَاكَ بِمَكَّةَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ بَكْرٍ وَكَانَتْ أَمُّ مُعَاوِيَةَ كَلَهْدَةَ بِنْتَ الْخَيْبَرِيِّ رَجُلٌ مِنْ عَادٍ، فَلَمَّا قَحَطَ الْمَطَرُ عَنْ عَادٍ وَجَهِدُوا قَالُوا جَهِّزُوا وَافِدًا مِنْكُمْ إِلَى مَكَّةَ فَلْيَسْتَسْقُوا لَكُمْ، فَبَعَثُوا قَيْلَ بْنَ عَنْزٍ وَلِقِيَمَ بْنَ هُزَالٍ مِنْ هَزِيلٍ، وَعَقِيلَ بْنَ صَنْدِينَ بْنِ عَادٍ الْأَكْبَرِ، وَمَرْثَدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَفِيرٍ وَكَانَ مُسْلِمًا يَكْتُمُ إِسْلَامَهُ، وَجَلْهَمَةَ بْنَ الْخَيْبَرِيِّ خَالَ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ، ثُمَّ بَعَثُوا لُقْمَانَ بْنَ عَادِ الْأَصْغَرِ بْنِ صَنْدِينَ بْنِ عَادِ الْأَكْبَرِ، فَانْطَلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَمَعَهُ رَهْطٌ مِنْ قَوْمِهِ حَتَّى بَلَغَ عَدَدُ وَفْدِهِمْ سَبْعِينَ رَجُلًا.
فَلَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ نَزَلُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ وَهُوَ بِظَاهِرِ مَكَّةَ خَارِجًا مِنَ الْحَرَمِ، فَأَنْزَلَهُمْ وَأَكْرَمَهُمْ وَكَانُوا أَخْوَالَهُ وَأَصْهَارَهُ فَأَقَامُوا عِنْدَهُ شَهْرًا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَتُغَنِّيهِمُ الْجَرَادَتَانِ، قَيْنَتَانِ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ، وَكَانَ مَسِيِرُهُمْ شَهْرًا وَمَقَامُهُمْ شَهْرًا فَلَمَّا رَأَى مُعَاوِيَةُ بْنُ بَكْرٍ طُولَ مَقَامِهِمْ وَقَدْ بَعَثَهُمْ قَوْمُهُمْ يَتَغَوَّثُونَ بِهِمْ مِنَ الْبَلَاءِ الَّذِي أَصَابَهُمْ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَالَ هَلَكَ أَخْوَالِي وَأَصْهَارِي وَهَؤُلَاءِ مُقِيمُونَ عِنْدِي وَهُمْ ضَيْفِي، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِمْ، أَسْتَحِي أَنْ آمُرَهُمْ بِالْخُرُوجِ إِلَى مَا بُعِثُوا إِلَيْهِ، فَيَظُنُّونَ أَنَّهُ ضِيقٌ مِنِّي بِمَقَامِهِمْ عِنْدِي، وَقَدْ هَلَكَ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ جُهْدًا وَعَطَشَا، فَشَكَا ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ إِلَى قَيْنَتَيْهِ الْجَرَادَتَيْنِ، فَقَالَتَا: قُلْ شِعْرًا نُغَنِّيهِمْ بِهِ، لَا يَدْرُونَ مَنْ قَالَهُ، لَعَلَّ ذَلِكَ أَنْ يُحَرِّكَهُمْ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ بَكْرٍ: أَلَا يَا قَيْلُ وَيْحَكَ قُمْ فَهَيْنِمْ ... لَعَلَّ اللَّهَ يَسْقِينَا غَمَامَا
فَيَسْقِي أَرْضَ عَادٍ إِنَّ عَادًا ... قَدْ أَمْسَوْا لَا يُبِينُونَ الْكَلَامَا
مِنَ الْعَطَشِ الشَّدِيدِ فَلَيْسَ نَرْجُو ... بِهِ الشَّيْخَ الْكَبِيَرَ وَلَا الْغُلَامَا
وَقَدْ كَانَتْ نِسَاؤُهُمُ بِخَيْرٍ ... فَقَدْ أَمْسَتْ نِسَاؤُهُمُ أَيَامَى
وَإِنَّ الْوَحْشَ تَأْتِيهِمْ جِهَارًا ... فَلَا تَخْشَى لِعَادِيٍّ سِهَامَا
وَأَنْتُمْ هَاهُنَا فِيمَا اشْتَهَيْتُمْ ... نَهَارُكُمُو وَلَيْلُكُمُو التَّمَامَا
فَقُبِّحَ وَفْدُكُمْ مِنْ وَفْدِ قَوْمٍ ... وَلَا لُقُّوا التَّحِيَّةَ وَالسَّلَامَا
فَلَمَّا غَنَّتْهُمُ الْجَرَادَتَانِ هَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: يَا قَوْمِ إِنَّمَا بَعَثَكُمْ قَوْمُكُمْ يَتَغَوَّثُونَ بِكُمْ مِنَ الْبَلَاءِ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ، وَقَدْ أَبْطَأْتُمْ عَلَيْهِمْ، فَادْخُلُوا هَذَا الْحَرَمَ فَاسْتَسْقُوا لِقَوْمِكُمْ، فَقَالَ مَرْثَدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَفِيرٍ، وَكَانَ قَدْ آمَنَ بِهُودٍ سِرًّا: إِنَّكُمْ وَاللَّهِ لَا تُسْقَوْنَ بِدُعَائِكُمْ، وَلَكِنْ إِنْ أَطَعْتُمْ نَبِيَّكُمْ وَأَنَبْتُمْ إِلَى رَبِّكُمْ سُقِيتُمْ، فَأَظْهَرَ إِسْلَامَهُ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَالَ: عَصَتْ عَادٌ رَسُولَهُمْ فَأَمْسَوْا ... عِطَاشًا مَا تَبُلُّهُمُ السَّمَاءُ
لَهُمْ صَنَمٌ يُقَالُ لَهُ صُمُودٌ ... يُقَابِلُهُ صَدَاءٌ وَالْهَبَاءُ
فَبَصَّرَنَا الرَّسُولُ سَبِيلَ رُشْدٍ ... فَأَبْصَرْنَا الْهُدَى وَجَلَى الْعَمَاءُ
وَإِنَّ إِلَهَ هُودٍ هُو إِلَهِي ... عَلَى اللَّهِ التَّوَكُّلُ وَالرَّجَاءُ
فَقَالُوا لِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ: احْبِسْ عَنَّا مَرْثَدَ بْنَ سَعْدٍ فَلًّا يَقْدُمَنَّ مَعَنَا مَكَّةَ، فَإِنَّهُ قَدِ اتَّبَعَ دِينَ هُودٍ، وَتَرَكَ دِينَنَا، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى مَكَّةَ يَسْتَسْقُونَ لِعَادٍ، فَلَمَّا وَلَّوْا إِلَى مَكَّةَ خَرَجَ مَرْثَدُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ مَنْزِلِ مُعَاوِيَةَ حَتَّى أَدْرَكَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَدْعُوَا اللَّهَ بِشَيْءٍ مِمَّا خَرَجُوا لَهُ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ قَامَ يَدْعُو اللَّهَ، وَبِهَا وَفْدُ عَادٍ يَدْعُونَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي سُؤْلِي وَحْدِي وَلَا تُدْخِلْنِي فِي شَيْءٍ مِمَّا يَدْعُوكَ بِهِ وَفْدُ عَادٍ، وَكَانَ قَيْلُ بْنُ عَنْزٍ رَأْسَ وَفْدِ عَادٍ، فَقَالَ وَفْدُ عَادٍ: اللَّهُمَّ أَعْطِ قَيْلًا مَا سَأَلَكَ وَاجْعَلْ سُؤْلَنَا مَعَ سُؤْلِهِ.
وَكَانَ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ وَفْدِ عَادٍ -حِينَ دَعَوْا -لُقْمَانُ بْنُ عَادٍ، وَكَانَ سَيِّدَ عَادٍ، حَتَّى إِذَا فَرَغُوا مِنْ دَعْوَتِهِمْ قَامَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي جِئْتُكَ وَحْدِي فِي حَاجَتِي فَأَعْطِنِي سُؤْلِي، وَسَأَلَ اللَّهَ طُولَ الْعُمْرِ فَعُمِّرَ عُمَرَ سَبْعَةِ أَنَسُرٍ، وَقَالَ قَيْلُ بْنُ عَنْزٍ حِينَ دَعَا: يَا إِلَهَنَا إِنْ كَانَ هُودٌ صَادِقًا فَاسْقِنَا فَإِنَّا قَدْ هَلَكْنَا، فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَائِبَ ثَلَاثًا بَيْضَاءَ وَحَمْرَاءَ وَسَوْدَاءَ، ثُمَّ نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّحَايِبِ [يَا قَيْلُ] [[زيادة من "ب".]] اخْتَرْ لِنَفْسِكَ وَقَوْمِكَ مِنْ هَذِهِ السَّحَائِبِ [مَا شِئْتَ] [[زيادة من "ب".]] فقال قيل: ١٣٢/أاخْتَرْتُ السَّحَابَةَ السَّوْدَاءَ فَإِنَّهَا أَكْثَرُ السَّحَابِ مَاءً فَنَادَاهُ مُنَادٍ: اخْتَرْتَ رَمَادًا رِمْدِدًا لَا تُبْقِي مِنْ آلِ عَادٍ أَحَدًا، وَسَاقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى السَّحَابَةَ السَّوْدَاءَ الَّتِي اخْتَارَهَا قَيْلٌ بِمَا فِيهَا مِنَ النِّقْمَةِ إِلَى عَادٍ حَتَّى خَرَجَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ وَادٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ "الْمُغِيثُ" فَلَمَّا رَأَوْهَا اسْتَبْشَرُوا وَقَالُوا: هَذَا عَارَضٌ مُمْطِرُنَا، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) (الْأَحْقَافُ-٢٤-٢٥) أَيْ: كُلَّ شَيْءٍ مَرَّتْ بِهِ.
وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَبْصَرَ مَا فِيهَا وَعَرَفَ أَنَّهَا رِيحٌ مُهْلِكَةٌ امْرَأَةٌ مِنْ عَادٍ يُقَالُ لَهَا مُهَدَّدٌ، فَلَمَّا تَبَيَّنَتْ مَا فِيهَا صَحَّتْ ثُمَّ صَعِقَتْ، فَلَمَّا أَفَاقَتْ قَالُوا لَهَا: مَاذَا رَأَيْتِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ الرِّيحَ فِيهَا كَشُهُبِ النَّارِ أَمَامَهَا رِجَالٌ يَقُودُونَهَا، فَسَخَّرَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا، فَلَمْ تَدَعْ مِنْ آلِ عَادٍ أَحَدًا إِلَّا هَلَكَ، وَاعْتَزَلَ هُودٌ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي حَظِيرَةٍ مَا يُصِيبُهُ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الرِّيحِ إِلَّا مَا تَلِينُ عَلَيْهِ الْجُلُودُ وَتَلَذُّ الْأَنْفُسُ، وَإِنَّهَا لَتَمُرُّ مِنْ عَادٍ بِالظَّعْنِ فَتَحْمِلُهُمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَتَدْمَغُهُمْ بِالْحِجَارَةِ، وَخَرَجَ وَفْدُ عَادٍ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى مَرُّوا بِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ فَنَزَلُوا عَلَيْهَا فَبَيْنَمَا هم عنده إذا أَقْبَلَ رَجُلٌ عَلَى نَاقَةٍ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ مَسَاءَ ثَالِثَةٍ مِنْ مُصَابِ عَادٍ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، فَقَالُوا لَهُ فَأَيْنَ فَارَقْتَ هُودًا وَأَصْحَابَهُ؟ فَقَالَ: فَارَقْتُهُمْ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ فَكَأَنَّهُمْ شَكُّوا فِيمَا حَدَّثَهُمْ بِهِ، فَقَالَتْ هَزِيلَةُ بِنْتُ بَكْرٍ: صَدَقَ وَرَبِّ مَكَّةَ.
وَذَكَرُوا أَنَّ مَرْثَدَ بْنَ سَعْدٍ وَلُقْمَانَ بْنَ عَادٍ، وَقَيْلَ بْنَ عَنْزٍ حِينَ دَعَوْا بِمَكَّةَ، قِيلَ لَهُمْ: قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ مُنَاكُمْ فَاخْتَارُوا لِأَنْفُسِكُمْ، إِلَّا أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى الْخُلُودِ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْمَوْتِ، فَقَالَ مَرْثَدٌ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي صِدْقًا وَبِرًّا فَأُعْطِيَ ذَلِكَ، وَقَالَ لُقْمَانُ: أَعْطِنِي يَا رَبِّ عُمْرًا، فَقِيلَ لَهُ: اخْتَرْ، فَاخْتَارَ عُمْرَ سَبْعَةِ أَنْسُرٍ، فَكَانَ يَأْخُذُ الْفَرْخَ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْضَتِهِ فَيَأْخُذُ الذَّكَرَ مِنْهَا لِقُوَّتِهِ، حَتَّى إِذَا مَاتَ أَخَذَ غَيْرَهُ فَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى أَتَى عَلَى السَّابِعِ، وَكَانَ كُلُّ نَسْرٍ يَعِيشُ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَكَانَ آخِرُهَا لَبَدٌ فَلَمَّا مَاتَ لَبَدٌ مَاتَ لُقْمَانُ مَعَهُ.
وَأَمَّا قَيْلٌ فَإِنَّهُ قَالَ: أَخْتَارُ أَنْ يُصِيبَنِي مَا أَصَابَ قَوْمِي فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ الْهَلَاكَ، فَقَالَ: لَا أُبَالِي لَا حَاجَةَ لِي فِي الْبَقَاءِ بِعَدَّهُمْ، فَأَصَابَهُ الَّذِي أَصَابَ عَادًا مِنَ الْعَذَابِ فَهَلَكَ.
قَالَ السُّدِّيُّ: بَعَثَ اللَّهُ عَلَى عَادٍ الرِّيحَ الْعَقِيمَ فَلَمَّا دَنَتْ مِنْهُمْ نَظَرُوا إِلَى الْإِبِلِ وَالرِّجَالِ، تَطِيرُ بِهِمُ الرِّيحُ بَيْنَ السَّمَاءِ والأرض، فلما رأواها تَبَادَرُوا الْبُيُوتَ فَدَخَلُوهَا وَأَغْلَقُوا أَبْوَابَهُمْ، فَجَاءَتِ الرِّيحُ فَقَلَعَتْ أَبْوَابَهُمْ فَدَخَلَتْ عَلَيْهِمْ فَأَهْلَكَتْهُمْ فِيهَا، ثُمَّ أَخْرَجَتْهُمْ مِنَ الْبُيُوتِ، فَلَمَّا أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا سَوْدَاءَ فَنَقَلَتْهُمْ إِلَى الْبَحْرِ فَأَلْقَتْهُمْ فِيهِ.
وَرُوِيَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ الرِّيحِ فَأَهَالَتْ عَلَيْهِمُ الرِّمَالَ، فَكَانُوا تَحْتَ الرَّمْلِ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لَهُمْ أَنِينٌ تَحْتَ الرَّمْلِ، ثُمَّ أَمَرَ الرِّيحَ فَكَشَفَتْ عَنْهُمُ الرِّمَالِ فَاحْتَمَلَتْهُمْ فَرَمَتْ بِهِمْ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ تَخْرُجْ رِيحٌ قَطُّ إِلَّا بِمِكْيَالٍ إِلَّا يَوْمَئِذٍ فَإِنَّهَا عَتَتْ عَلَى الْخَزَنَةِ فَغَلَبَتْهُمْ فَلَمْ يَعْلَمُوا كَمْ كَانَ مِكْيَالُهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ: "إِنَّهَا خَرَجَتْ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ خَرْقِ الْخَاتَمِ" [[جاء قريب من هذا في رواية الإمام أحمد والترمذي في الموضع السابق، وليس مرفوعا إلى النبي ﷺ، بل السياق يدل على أنه من راوي القصة.]] وَرُوِيَ عَنْ عَلَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ قَبْرَ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِحَضْرَمَوْتَ فِي كَثِيبٍ أَحْمَرَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ: بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَزَمْزَمَ قَبْرُ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ نَبِيًّا، وَإِنَّ قَبْرَ هُودٍ وَشُعَيْبٍ وَصَالِحٍ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ. وَيُرْوَى: أَنَّ النَّبِيَّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِذَا هَلَكَ قَوْمُهُ جَاءَ هُوَ وَالصَّالِحُونَ مَعَهُ إِلَى مَكَّةَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ فِيهَا حَتَّى يَمُوتُوا.
{"ayahs_start":68,"ayahs":["أُبَلِّغُكُمۡ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّی وَأَنَا۠ لَكُمۡ نَاصِحٌ أَمِینٌ","أَوَعَجِبۡتُمۡ أَن جَاۤءَكُمۡ ذِكۡرࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلࣲ مِّنكُمۡ لِیُنذِرَكُمۡۚ وَٱذۡكُرُوۤا۟ إِذۡ جَعَلَكُمۡ خُلَفَاۤءَ مِنۢ بَعۡدِ قَوۡمِ نُوحࣲ وَزَادَكُمۡ فِی ٱلۡخَلۡقِ بَصۜۡطَةࣰۖ فَٱذۡكُرُوۤا۟ ءَالَاۤءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ","قَالُوۤا۟ أَجِئۡتَنَا لِنَعۡبُدَ ٱللَّهَ وَحۡدَهُۥ وَنَذَرَ مَا كَانَ یَعۡبُدُ ءَابَاۤؤُنَا فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَاۤ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ","قَالَ قَدۡ وَقَعَ عَلَیۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ رِجۡسࣱ وَغَضَبٌۖ أَتُجَـٰدِلُونَنِی فِیۤ أَسۡمَاۤءࣲ سَمَّیۡتُمُوهَاۤ أَنتُمۡ وَءَابَاۤؤُكُم مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَـٰنࣲۚ فَٱنتَظِرُوۤا۟ إِنِّی مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِینَ","فَأَنجَیۡنَـٰهُ وَٱلَّذِینَ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةࣲ مِّنَّا وَقَطَعۡنَا دَابِرَ ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَاۖ وَمَا كَانُوا۟ مُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"فَأَنجَیۡنَـٰهُ وَٱلَّذِینَ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةࣲ مِّنَّا وَقَطَعۡنَا دَابِرَ ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَاۖ وَمَا كَانُوا۟ مُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق