الباحث القرآني

﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ﴾ أَيْ: قَوْلُهُمْ وَدُعَاؤُهُمْ وَتَضَرُّعُهُمْ، وَالدَّعْوَى تَكُونُ بِمَعْنَى الِادِّعَاءِ وَبِمَعْنَى الدُّعَاءِ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: تَقُولُ الْعَرَبُ اللَّهُمَّ أَشْرِكْنَا فِي صَالِحِ دَعْوَى الْمُسْلِمِينَ أَيْ فِي دُعَائِهِمْ، ﴿إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا﴾ عَذَابُنَا، ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ مَعْنَاهُ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى رَدِّ الْعَذَابِ، وَكَانَ حَاصِلَ أَمْرِهِمُ الِاعْتِرَافُ بِالْجِنَايَةِ حِينَ لَا يَنْفَعُ الِاعْتِرَافُ. ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ﴾ يَعْنِي: الْأُمَمَ عَنْ إِجَابَتِهِمُ الرُّسُلَ، وَهَذَا سُؤَالُ تَوْبِيخٍ لَا سُؤَالُ اسْتِعْلَامٍ، يَعْنِي: لَنَسْأَلُهُمْ عَمَّا عَمِلُوا فِيمَا بَلَّغَتْهُمُ الرُّسُلُ، ﴿وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ عَنِ الْإِبْلَاغِ. ﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ﴾ أَيْ: لَنُخْبِرَنَّهُمْ عَنْ عِلْمٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَنْطِقُ عَلَيْهِمْ كِتَابُ أَعْمَالِهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ) . (الْجَاثِيَةِ، ٢٩) ، ﴿وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ﴾ عَنِ الرُّسُلِ فِيمَا بَلَّغُوا، وَعَنِ الْأُمَمِ فِيمَا أَجَابُوا. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾ يَعْنِي: يَوْمَ السُّؤَالِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ وَالْقَضَاءُ يَوْمَئِذٍ الْعَدْلُ. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: أَرَادَ بِهِ وَزْنَ الْأَعْمَالِ بِالْمِيزَانِ، وَذَاكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْصِبُ مِيزَانًا لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ كُلُّ كِفَّةٍ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْوَزْنِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُوزَنُ صَحَائِفُ الْأَعْمَالِ: وَرُوِّينَا: "أَنَّ رَجُلًا يُنْشَرُ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مَدَّ الْبَصَرِ، فَيُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ" [[أخرجه الترمذي في الإيمان، باب فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله: ٧ / ٣٩٥-٣٩٧، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجه في الزهد، باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة، برقم (٤٣٠٠) : ٢ / ١٤٣٧، وصححه الحاكم: ١ / ٦، وابن حبان ص (٦٢٥) من الموارد، وأخرجه الإمام أحمد: ٢ / ٢١٣، والمصنف في شرح السنة: ١٥ / ١٣٤.]] . وَقِيلَ: تُوزَنُ الْأَشْخَاصُ، وَرُوِّينَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ" [[أخرجه البخاري في التفسير، باب "أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم": ٨ / ٤٢٦، ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم، باب صفة القيامة والجنة والنار، برقم (٢٧٨٥) : ٤ / ٢١٤٧، والمصنف في شرح السنة: ١٥ / ١٤٣.]] . وَقِيلَ: تُوزَنُ الْأَعْمَالُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَيُؤْتَى بِالْأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ عَلَى صُورَةٍ حَسَنَةٍ وَبِالْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ عَلَى صُورَةٍ قَبِيحَةٍ فَتُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ، وَالْحِكْمَةُ فِي وَزْنِ الْأَعْمَالِ امْتِحَانُ اللَّهِ عِبَادَهُ بِالْإِيمَانِ فِي الدُّنْيَا وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فِي الْعُقْبَى، ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: حَسَنَاتُهُ، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب