الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ أَيْ: مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَشُعَيْبٍ، ﴿مُوسَى بِآيَاتِنَا﴾ بِأَدِلَّتِنَا، ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا﴾ فَجَحَدُوا بِهَا، وَالظُّلْمُ: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، فَظُلْمُهُمْ وَضَعَ الْكُفْرَ مَوْضِعَ الْإِيمَانِ، ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ وَكَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ. ﴿وَقَالَ مُوسَى﴾ لَمَّا دَخَلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، ﴿يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ إِلَيْكَ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ: كَذَبْتَ فَقَالَ مُوسَى: ﴿حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ﴾ ١٣٤/ب أَيْ: أَنَا خَلِيقٌ بِأَنْ لَا أَقُولُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ، فَتَكُونُ " عَلَى " بِمَعْنَى الْبَاءِ كَمَا يُقَالُ: رَمَيْتُ بِالْقَوْسِ وَرَمَيْتُ عَلَى الْقَوْسِ، وَجِئْتُ عَلَى حَالٍ حَسَنَةٍ وَبِحَالٍ حَسَنَةٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ والأعمش " حقيق بأن لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ " وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ حَرِيصٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ، وَقَرَأَ نَافِعٌ (عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيَّ أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ. ﴿قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ يَعْنِي الْعَصَا، ﴿فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أَيْ: أَطْلِقْ عَنْهُمْ وَخَلِّهِمْ يَرْجِعُونَ إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، وَكَانَ فِرْعَوْنُ قَدِ اسْتَخْدَمَهُمْ فِي الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ مِنْ ضَرْبِ اللَّبِنِ وَنَقْلِ التُّرَابِ وَنَحْوِهِمَا. فَقَالَ فِرْعَوْنُ مُجِيبًا لِمُوسَى: ﴿قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ ﴿فَأَلْقَى﴾ مُوسَى ﴿عَصَاهُ﴾ مِنْ يَدِهِ ﴿فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ وَالثُّعْبَانُ: الذَّكَرُ الْعَظِيمُ مِنَ الْحَيَّاتِ، فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَالَ فِي مَوْضِعٍ: (كَأَنَّهَا جَانٌّ) [النمل: ١٠] ، وَالْجَانُّ الْحَيَّةُ الصَّغِيرَةُ؟ قِيلَ: إِنَّهَا كَانَتْ كَالْجَانِّ فِي الْحَرَكَةِ وَالْخِفَّةِ، وَهِيَ فِي جُثَّتِهَا حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ: إِنَّهُ لَمَّا أَلْقَى الْعَصَا صَارَتْ حَيَّةً عَظِيمَةً صَفْرَاءَ شَعْرَاءَ فَاغِرَةً فَاهَا مَا بَيْنَ لِحْيَيْهَا ثَمَانُونَ ذِرَاعًا وَارْتَفَعَتْ مِنَ الْأَرْضِ بِقَدْرِ مِيلٍ، وَقَامَتْ لَهُ عَلَى ذَنَبِهَا وَاضِعَةً لِحْيَهَا الْأَسْفَلَ فِي الْأَرْضِ وَالْأَعْلَى عَلَى سُورِ الْقَصْرِ، وَتَوَجَّهَتْ نَحْوَ فِرْعَوْنَ لِتَأْخُذَهُ، وَرُوِيَ أَنَّهَا أَخَذَتْ قُبَّةَ فِرْعَوْنَ بَيْنَ نَابَيْهَا فَوَثَبَ فِرْعَوْنُ مِنْ سَرِيرِهِ هَارِبًا وَأَحْدَثَ. قِيلَ: أَخَذَهُ الْبَطْنُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَرْبَعَمِائَةِ مَرَّةٍ، وَحَمَلَتْ عَلَى النَّاسِ فَانْهَزَمُوا وَصَاحُوا وَمَاتَ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَدَخَلَ فِرْعَوْنُ الْبَيْتَ وَصَاحَ يَا مُوسَى أُنْشَدُكَ بِالَّذِي أَرْسَلَكَ خُذْهَا وَأَنَا أُؤْمِنُ بِكَ وَأُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَخَذَهَا مُوسَى فَعَادَتْ عَصَا كَمَا كَانَتْ ثُمَّ قَالَ فِرْعَوْنُ: هَلْ مَعَكَ آيَةٌ أُخْرَى؟ قَالَ: نَعَمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب