الباحث القرآني

﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾ يَعْنِي: الذُّنُوبَ كُلَّهَا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ هَذَيْنَ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ قَتَادَةُ: عَلَانِيَتِهِ وَسِرِّهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ظَاهِرُ الْإِثْمِ مَا يَعْمَلُهُ بِالْجَوَارِحِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَبَاطِنُهُ مَا يَنْوِيهِ وَيَقْصِدُهُ بِقَلْبِهِ كَالْمُصِرِّ عَلَى الذَّنْبِ الْقَاصِدِ لَهُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: ظَاهِرُهُ الزِّنَا وَبَاطِنُهُ الْمُخَالَةُ، وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ الْإِثْمِ الْإِعْلَانُ بِالزِّنَا، وَهُمْ أَصْحَابُ الرِّوَايَاتِ، وَبَاطِنَهُ الِاسْتِسْرَارُ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يُحِبُّونَ الزِّنَا فَكَانَ الشَّرِيفُ مِنْهُمْ يَتَشَرَّفُ، فَيُسِرُّ بِهِ، وَغَيْرُ الشَّرِيفِ لَا يُبَالِي بِهِ فَيُظْهِرُهُ، فَحَرَّمَهُمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ظَاهِرُ الْإِثْمِ نِكَاحُ الْمَحَارِمِ وَبَاطِنُهُ الزِّنَا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ظَاهِرُ الْإِثْمِ التَّجَرُّدُ مِنَ الثِّيَابِ وَالتَّعَرِّي فِي [الطَّوَافِ] [[في "ب": (الطرقات) .]] وَالْبَاطِنُ الزِّنَا، وَرَوَى حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ: ظَاهِرُ الْإِثْمِ طَوَافُ الرِّجَالِ بِالْبَيْتِ نَهَارًا عُرَاةً، وَبَاطِنُهُ طَوَافُ النِّسَاءِ بِاللَّيْلِ عُرَاةً، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ﴾ فِي الْآخِرَةِ، ﴿بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ﴾ [يَكْتَسِبُونَ فِي الدُّنْيَا] [[ساقط من "ب".]] . قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْآيَةُ فِي تَحْرِيمِ الْمَيْتَاتِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الْمُنْخَنِقَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ عَطَاءٌ: الْآيَةُ فِي تَحْرِيمِ الذَّبَائِحِ الَّتِي كَانُوا يَذْبَحُونَهَا عَلَى اسْمِ الْأَصْنَامِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ إِذَا لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا: فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَحْرِيمِهَا سَوَاءً تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ، وَاحْتَجُّوا بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَحْلِيلِهَا، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ إِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا لَا يَحِلُّ، وَإِنَّ تَرَكَهَا نَاسِيًا يَحِلُّ، حَكَى الْخِرَقِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ: أَنَّ هَذَا مَذْهَبُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. مَنْ أَبَاحَهَا قَالَ: الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ الْمَيْتَاتِ أَوْ مَا ذُبِحَ عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: ﴿وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ وَالْفِسْقُ فِي ذِكْرِ اسْمِ غَيْرِ اللَّهِ كَمَا قَالَ فِي آخِرِ السُّورَةِ ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ﴾ إِلَى قَوْلِهِ ﴿أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَهَا بِمَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ قَالَ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هُنَا أَقْوَامًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لَا؟ قَالَ: اذْكُرُوا أَنْتُمُ اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا" [[أخرجه البخاري في التوحيد، باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها: ١٣ / ٣٧٩، وفي البيوع. والمصنف في شرح السنة: ١١ / ١٩٤.]] . وَلَوْ كَانَتِ التَّسْمِيَةُ شَرْطًا لِلْإِبَاحَةِ لَكَانَ الشَّكُّ فِي وُجُودِهَا مَانِعًا مِنْ أَكْلِهَا كَالشَّكِّ فِي أَصْلِ [الذَّبْحِ] [[في "أ": (الذبائح) .]] . قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ أَرَادَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوَسْوِسُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِيُجَادِلُوكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنَا عَنِ الشَّاةِ إِذَا مَاتَتْ مَنْ قَتَلَهَا؟ فَقَالَ: اللَّهُ قَتَلَهَا، قَالُوا: أَفَتَزْعُمُ أَنَّ مَا قَتَلْتَ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ حَلَالٌ، وَمَا قَتَلَهُ الْكَلْبُ وَالصَّقْرُ حَلَالٌ، وَمَا قَتَلَهُ اللَّهُ حَرَامٌ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ﴾ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ، ﴿إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ قَالَ الزَّجَّاجُ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحَلَّ شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ أَوْ حَرَّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَهُوَ مُشْرِكٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب