الباحث القرآني

﴿بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ﴾ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ فِي الدُّنْيَا، وَلَمْ أُعَاجِلْهُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى الْكُفْرِ، ﴿حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ﴾ يَعْنِي الْقُرْآنُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْإِسْلَامُ. ﴿وَرَسُولٌ مُبِينٌ﴾ يُبَيِّنُ لَهُمُ الْأَحْكَامَ وَهُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ، وَكَانَ من حق هذ الْإِنْعَامِ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَعَصَوْا. وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ﴾ يَعْنِي الْقُرْآنُ، ﴿قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ﴾ . ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ يَعْنُونَ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ مِنْ مَكَّةَ، وَعُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ بِالطَّائِفِ، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ مِنْ مَكَّةَ، وَابْنُ عَبْدِ يَالَيْلَ الثَّقَفِيُّ مِنَ الطَّائِفِ. وَقِيلَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ مِنْ مَكَّةَ، وَمِنَ الطَّائِفِ: حَبِيبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثَّقَفِيُّ. وَيُرْوَى هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا. [[أخرج هذه الأقوال الطبري: ٢٥ / ٦٥-٦٦ ثم قال: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال جل ثناؤه مخبرا عن هؤلاء المشركين (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) إذ كان جائزا أن يكون بعض هؤلاء، ولم يضع الله تبارك وتعالى لنا الدلالة على الذين عنوا منهم في كتابه، ولا على لسان رسوله ﷺ، والاختلاف فيه موجود على ما بينت". وبنحوه قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: ٤ / ١٢٧-١٢٨ " ... والظاهر أن مرادهم رجل كبير من أي البلدتين كان".]] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ﴾ يَعْنِي النُّبُوَّةَ، قال مقاتل ١١٨/أيَقُولُ: بِأَيْدِيهِمْ مَفَاتِيحُ الرِّسَالَةِ فيضعونها حيث شاؤوا؟ ثُمَّ قَالَ: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ فَجَعَلْنَا هَذَا غَنِيًّا وَهَذَا فَقَيرًا وَهَذَا مَلِكًا وَهَذَا مَمْلُوكًا، فَكَمَا فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ كَمَا شِئْنَا، كَذَلِكَ اصْطَفَيْنَا بِالرِّسَالَةِ مَنْ شِئْنَا. ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ بِالْغِنَى وَالْمَالِ، ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ لِيَسْتَخْدِمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَيُسَخِّرُ الْأَغْنِيَاءُ بِأَمْوَالِهِمُ الْأُجَرَاءَ الْفُقَرَاءَ بِالْعَمَلِ، فَيَكُونُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَبَبَ الْمَعَاشِ، هَذَا بِمَالِهِ، وَهَذَا بِأَعْمَالِهِ، فَيَلْتَئِمُ قِوَامُ أَمْرِ الْعَالَمِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: يَمْلِكُ بَعْضُهُمْ بِمَالِهِمْ بَعْضًا بِالْعُبُودِيَّةِ وَالْمِلْكِ. ﴿وَرَحْمَةُ رَبِّكَ﴾ [يَعْنِي الْجَنَّةَ] [[ما بين القوسين زيادة من "ب".]] ، ﴿خَيْرٌ﴾ لِلْمُؤْمِنِينَ، ﴿مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ مِمَّا يَجْمَعُ الْكُفَّارُ مِنَ الْأَمْوَالِ. ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ أَيْ: لَوْلَا أَنْ يَصِيرُوا كُلُّهُمْ كُفَّارًا فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى الْكُفْرِ، ﴿لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ﴾ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو: "سَقْفًا" بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْقَافِ عَلَى الْوَاحِدِ، وَمَعْنَاهُ الْجَمْعُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل: ٢٦] ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّ السِّينِ وَالْقَافِ عَلَى الْجَمْعِ، وَهِيَ جَمْعُ "سَقْفٍ" مِثْلُ: رَهْنٍ وَرُهُنٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا. وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ سَقِيفٍ. وَقِيلَ: جَمْعُ سُقُوفٍ جَمْعُ الْجَمْعِ. ﴿وَمَعَارِجَ﴾ مَصَاعِدَ وَدَرَجًا مِنْ فِضَّةٍ، ﴿عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ يَعْلُونَ وَيَرْتَقُونَ، يُقَالُ: ظَهَرْتُ عَلَى السَّطْحِ إِذَا عَلَوْتُهُ. ﴿وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا﴾ مِنْ فِضَّةٍ، ﴿وَسُرُرًا﴾ أَيْ: وَجَعَلْنَا لَهُمْ سُرُرًا مِنْ فِضَّةٍ، ﴿عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ﴾ . ﴿وَزُخْرُفًا﴾ أَيْ وَجَعَلْنَا مَعَ ذَلِكَ لَهُمْ زُخْرُفًا وَهُوَ الذَّهَبُ، نَظِيرُهُ: "أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ" [الإسراء: ٩٣] ، ﴿وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَعَاصِمٌ: "لَمَّا" بِالتَّشْدِيدِ عَلَى مَعْنَى: وَمَا كُلُّ ذَلِكَ إِلَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَكَانَ: "لَمَّا" بِمَعْنَى إِلَّا وَخَفَّفَهُ الْآخَرُونَ عَلَى مَعْنَى: وَكُلُّ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَيَكُونُ: "إن" للابتداء، و"ما" صِلَةٌ، يُرِيدُ: إِنَّ هَذَا كُلَّهُ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يَزُولُ وَيَذْهَبُ، ﴿وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ خَاصَّةً يَعْنِي الْجَنَّةَ. أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بَسْطَامٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ أَبُو مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَنْظُورٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا قَطْرَةَ مَاءٍ". [[أخرجه الترمذي في الزهد، باب: ما جاء في هوان الدنيا على الله: ٦ / ٦١١ وقال: "هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه"، وابن ماجه في الزهد، باب: مثل الدنيا برقم: (٤١١٠) : ٢ / ١٣٧٧، وأبو نعيم في الحلية: ٣ / ٢٥٣ من رواية أبي هريرة وقال: رواه البزار، والمصنف في شرح السنة: ١٤ / ٢٢٩. قال الهيثمي في المجمع: ١٠ / ٢٨٨: "وفيه صالح مولى التوأمة، وهو ثقة لكنه اختلط، وبقية رجاله ثقات". وصححه المناوي في فيض القدير: ٥ / ٣٢٨، وذكره الألباني في الصحيحة رقم: (٦٨٦) وقال: "روى من حديث سهل بن سعد، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وجماعة من الصحابة، والحسن وعمرو بن مرة مرسلا، ثم ساق الروايات وقال: وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب، والله أعلم".]] أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ [مُجَالِدِ] [[في "أ" خالد، وما أثبتناه هو الصواب.]] بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ ابن شَدَّادٍ أَخِي بَنِي فِهْرٍ قَالَ: كُنْتُ فِي الرَّكْبِ الَّذِينَ وَقَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى السَّخْلَةِ الْمَيِّتَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَتَرَوْنَ هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا حِينَ أَلْقَوْهَا"؟ قَالُوا: مِنْ هَوَانِهَا أَلْقَوْهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "فَالدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا". [[أخرجه الترمذي في الزهد، باب: ما جاء في هوان الدنيا على الله عز وجل: ٦ / ٦١١-٦١٢ وقال: "حديث حسن"، وابن ماجه في الزهد، باب: مثل الدنيا برقم: (٤١١١) ٢ / ١٣٧٧، والإمام أحمد: ٤ / ٢٢٩، والمصنف في شرح السنة: ١٤ / ٢٢٧-٢٢٨.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب