الباحث القرآني

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا﴾ قِيلَ: إِنَّمَا قَالَ "وَظَلَمُوا" -مَعَ أَنَّ ظُلْمَهُمْ بِكُفْرِهِمْ -تَأْكِيدًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَظَلَمُوا مُحَمَّدًا ﷺ بِكِتْمَانِ نَعْتِهِ، ﴿لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا﴾ يَعْنِي: دِينَ الْإِسْلَامِ. ﴿إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ﴾ يَعْنِي الْيَهُودِيَّةَ، ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ سَبَقَ حُكْمُهُ فِيهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ﴾ تَقْدِيرُهُ: فَآمِنُوا يَكُنِ الْإِيمَانُ خَيْرًا لَكُمْ، ﴿وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾ نَزَلَتْ فِي النَّصَارَى وَهُمْ أَصْنَافٌ: الْيَعْقُوبِيَّةُ وَالْمَلْكَانِيَّةُ والنُّسْطُورِيَّةُ وَالْمَرْقُوسِيَّةُ فَقَالَتِ الْيَعْقُوبِيَّةُ: عِيسَى هُوَ اللَّهُ، وَكَذَلِكَ الْمَلْكَانِيَّةُ، وَقَالَتِ النُّسْطُورِيَّةُ: عِيسَى هُوَ ابْنُ اللَّهِ، وَقَالَتِ: الْمَرْقُوسِيَّةُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ [[أسباب النزول للواحدي ص (٢١٨) . وعن فرق النصارى ومذاهبها انظر: محاضرات في النصرانية للشيخ محمد أبو زهرة ص (١٨٣ - ١٩٦) .]] . وَيُقَالُ الْمَلْكَانِيَّةُ يَقُولُونَ: عِيسَى هُوَ اللَّهُ، وَالْيَعْقُوبِيَّةُ يَقُولُونَ: ابْنُ اللَّهِ، والنُّسْطُورِيَّةُ يَقُولُونَ: ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ. عَلَّمَهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ بَوْلَسُ، سَيَأْتِي فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّهُمْ جَمِيعًا غَلَوْا فِي أَمْرِ عِيسَى، فَالْيَهُودُ بِالتَّقْصِيرِ، وَالنَّصَارَى بِمُجَاوَزَةِ الْحَدِّ، وَأَصْلُ الْغُلُوِّ: مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَهُوَ فِي الدِّينِ حَرَامٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَا تَغْلُوَا فِي دِينِكُمْ﴾ لَا تُشَدِّدُوا فِي دِينِكُمْ فَتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ ﴿وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾ لَا تَقُولُوا إِنَّ لَهُ شَرِيكًا وَوَلَدًا ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ﴾ وَهِيَ قَوْلُهُ "كُنْ" فَكَانَ بَشَرًا مِنْ غَيْرِ أَبٍ، [وَقِيلَ غَيْرُهُ] [[ما بين القوسين ساقط من: (أ) .]] ، ﴿أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ﴾ أَيْ أَعْلَمَهَا وَأَخْبَرَهَا بِهَا، كَمَا يُقَالُ: أَلْقَيْتُ إِلَيْكَ كَلِمَةً حَسَنَةً، ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ قِيلَ: هُوَ رُوحٌ كَسَائِرِ الْأَرْوَاحِ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ [تَشْرِيفًا] [[ما بين القوسين ساقط من: (أ) .]] . وَقِيلَ: الرُّوحُ هُوَ النَّفْخُ الَّذِي نَفَخَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي دِرْعِ مَرْيَمَ فَحَمْلَتْهُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، سُمِّيَ النَّفْخُ رُوحًا لأنه ريح ٩٩/ب يَخْرُجُ مِنِ الرُّوحِ وَأَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ كَانَ بِأَمْرِهِ. وَقِيلَ: "رُوحٌ مِنْهُ" أَيْ وَرَحْمَةٌ، فَكَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَحْمَةً لِمَنْ تَبِعَهُ وَأَمِنَ بِهِ. وَقِيلَ: الرُّوحُ: الْوَحْيُ، أَوْحَى إِلَى مَرْيَمَ بِالْبِشَارَةِ، وَإِلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالنَّفْخِ، وَإِلَى عِيسَى أَنْ كُنْ فَكَانَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ﴾ [النحل: ٢] يَعْنِي: بِالْوَحْيِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالرُّوحِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَعْنَاهُ: وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَأَلْقَاهَا إِلَيْهَا أَيْضًا رُوحٌ مِنْهُ بِأَمْرِهِ وَهُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَمَا قَالَ: "تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ" [القدر: ٤] يَعْنِي: جِبْرِيلَ فِيهَا، وَقَالَ: "فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا" [مريم: ١٧] ، يَعْنِي: جِبْرِيلَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُلَيْحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَنَا الْوَلِيدُ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ هَانِي، حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أُمِّيَّةَ، عَنْ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ حقٌ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ" [[أخرجه البخاري في الأنبياء، باب قوله تعالى: "يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم": ٦ / ٤٧٤، ومسلم في الإيمان، باب: الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، برقم (٢٨) : ١ / ٥٧. والمصنف في شرح السنة: ١ / ١٠١.]] . ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ﴾ أَيْ: وَلَا تَقُولُوا هُمْ ثَلَاثَةٌ، وَكَانَتِ النَّصَارَى تَقُولُ: أَبٌ وَابْنٌ وَرُوحٌ قُدُسٌ، ﴿انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ﴾ تَقْدِيرُهُ: انْتَهُوا يَكُنِ الِانْتِهَاءُ خَيْرًا لَكُمْ، ﴿إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ﴾ وَاعْلَمْ أَنَّ التَّبَنِّيَ لَا يَجُوزُ لِلَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ التَّبَنِّيَ إِنَّمَا يَجُوزُ لِمَنْ يُتَصَوَّرُ لَهُ وَلَدٌ، ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب