الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي عَمْرَةَ وَيُقَالُ فِي خَوْلَةَ [[في أ: (خويلة) .]] بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمَةَ، وَفِي زَوْجِهَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ -وَيُقَالُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ-تَزَوَّجَهَا وَهِيَ شَابَّةٌ فَلَمَّا عَلَاهَا الْكِبَرُ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا امْرَأَةً شَابَّةً، وَآثَرَهَا عَلَيْهَا، وَجَفَا ابْنَةَ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَشَكَتْ إِلَيْهِ فَنَزَلَتْ فِيهَا هَذِهِ الْآيَةُ [[انظر: الموطأ للإمام مالك، كتاب النكاح، باب جامع النكاح: ٢ / ٥٤٨ - ٥٤٩، والمستدرك للحاكم: ٢ / ٣٠٨، أحكام القرآن للشافعي: ١ / ٢٠٥، والسنن الكبرى للبيهقي: ٧ / ٢٩٦، تفسير الطبري: ٩ / ٢٧٥، أسباب النزول للواحدي ص (١٧٨) .]] . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَ رَجُلٌ لَهُ امْرَأَةٌ قَدْ كَبِرَتْ وَلَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ فَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَيَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا غَيْرَهَا، فَقَالَتْ: لَا تُطَلِّقْنِي وَدَعْنِي أَقُومُ عَلَى أَوْلَادِي وَاقْسِمْ لِي مِنْ كُلِّ شَهْرَيْنِ إِنْ شِئْتَ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَقْسِمْ لِي. فَقَالَ: إِنْ كَانَ يَصْلُحُ ذَلِكَ فَهُوَ أَحَبُّ إليّ، فأتى ٩٧/ب رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ﴾ [[بمعناه عن عائشة رضي الله عنها، أخرجه البخاري ومسلم. انظر: أسباب النزول للواحدي ص (١٧٥ - ١٧٦) ، الدر المنثور: ٢ / ٧١٠ - ٧١١.]] أَيْ عَلِمَتْ ﴿مِنْ بَعْلِهَا﴾ أَيْ: مِنْ زَوْجِهَا ﴿نُشُوزًا﴾ أَيْ: بُغْضًا، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي تَرْكَ مُضَاجَعَتِهَا، ﴿أَوْ إِعْرَاضًا﴾ بِوَجْهِهِ عَنْهَا وَقِلَّةِ مُجَالَسَتِهَا، ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾ أَيْ: عَلَى الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ، أَنْ يَصَّالَحَا أَيْ: يَتَصَالَحَا، وَقَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ ﴿أَنْ يُصْلِحَا﴾ مِنْ أَصْلَحَ، ﴿بَيْنَهُمَا صُلْحًا﴾ يَعْنِي: فِي الْقِسْمَةِ وَالنَّفَقَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ لَهَا: إِنَّكِ قَدْ دَخَلْتِ فِي السِّنِّ وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً شَابَّةً جَمِيلَةً أَوِثْرُهَا عَلَيْكِ فِي الْقِسْمَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا فَإِنْ رَضِيتِ بِهَذَا فَأَقِيمِي وَإِنْ كَرِهْتِ خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ، فَإِنْ رَضِيَتْ كَانَتْ هِيَ الْمُحْسِنَةَ وَلَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِدُونِ حَقِّهَا مِنَ الْقَسْمِ كَانَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُوَفِّيَهَا حَقَّهَا مِنَ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ أَوْ يُسَرِّحَهَا بِإِحْسَانٍ، فَإِنْ أَمْسَكَهَا وَوَفَّاهَا حَقَّهَا مَعَ كَرَاهِيَةٍ فَهُوَ مُحْسِنٌ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَإِنْ صَالَحَتْهُ عَنْ بَعْضِ حَقِّهَا مِنَ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ مَا رَضِيَتْ، فَإِنْ أَنْكَرَتْهُ بَعْدَ الصُّلْحِ فَذَلِكَ لَهَا وَلَهَا حَقُّهَا [[انظر: الدر المنثور: ٢ / ٧١٢.]] . وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ تَحْتَهُ الْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ فَيَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا الشَّابَّةَ، فَيَقُولُ لِلْكَبِيرَةِ: [أَعْطَيْتُكِ مِنْ] [[في أ: (أعطيك على أن أقسم من. .) .]] مَالِي نَصِيبًا عَلَى أَنْ أَقْسِمَ لِهَذِهِ الشَّابَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَقْسِمُ لَكِ فَتَرْضَى بِمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ، فَإِنْ أَبَتْ أَنْ تَرْضَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَسْمِ. وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: تَكُونُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَتَنْبُو عَيْنُهُ عَنْهَا مِنْ دَمَامَةٍ أَوْ كِبَرٍ فَتَكْرَهُ فُرْقَتَهُ، فَإِنْ أَعْطَتْهُ مِنْ مَالِهَا فَهُوَ لَهُ حِلٌّ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ مِنْ أَيَّامِهَا فَهُوَ لَهُ حِلٌّ [[أخرجه أبو داود الطيالسي وابن أبي حاتم والطبري. انظر: الطبري: ٩ / ٢٦٨ - ٢٦٩، ابن كثير: ١ / ٥٦٤.]] ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ يَعْنِي: إِقَامَتَهَا بَعْدَ تَخْيِيرِهِ إِيَّاهَا، وَالْمُصَالَحَةُ عَلَى تَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا مِنَ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ خَيْرٌ مِنَ الْفُرْقَةِ، كَمَا يُرْوَى أَنَّ سَوْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتِ امْرَأَةً كَبِيرَةً وَأَرَادَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُفَارِقَهَا، فَقَالَتْ: لَا تُطَلِّقْنِي وَإِنَّمَا بِي أَنْ أُبْعَثَ فِي نِسَائِكَ وَقَدْ جَعَلْتُ نَوْبَتِي لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَمْسَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا [[انظر طبقات ابن سعد: ٨ / ٥٣، ١٦٩، وثبت أن سودة وهبت يومها لعائشة فيما أخرجه البخاري في النكاح، باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها: ٩ / ٣١٢، ومسلم في الرضاع، باب جواز هبتها نوبتها لضرتها برقم (١٤٦٢) : ٢ / ١٠٨٥، والمصنف في شرح السنة: ٩ / ١٥٢.]] . قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾ يُرِيدُ: شُحَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ بِنَصِيبِهِ مِنَ الْآخَرِ، وَالشُّحُّ: أَقْبَحُ الْبُخْلِ، وَحَقِيقَتُهُ. الْحِرْصُ عَلَى مَنْعِ الْخَيْرِ، ﴿وَإِنْ تُحْسِنُوا﴾ أَيْ: تُصْلِحُوا ﴿وَتَتَّقُوا﴾ الْجَوْرَ، وَقِيلَ: هَذَا خِطَابٌ مَعَ الْأَزْوَاجِ، أَيْ: وَإِنْ تُحْسِنُوا بِالْإِقَامَةِ مَعَهَا عَلَى الْكَرَاهَةِ وَتَتَّقُوا ظُلْمَهَا ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ فَيَجْزِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب