الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ أَيْ: مِقْدَارُ النَّقِيرِ، وَهُوَ النَّقْرَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَأَبُو بَكْرٍ ﴿يُدْخَلُونَ﴾ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْخَاءِ هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ مَرْيَمَ وَحَم الْمُؤْمِنِ، زَادَ أَبُو عَمْرٍو: " يُدْخَلُونَهَا " فِي سُورَةِ فَاطِرٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْخَاءِ. رَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: نَحْنُ وَأَنْتُمْ سَوَاءٌ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ﴾ الْآيَةَ [[انظر: تفسير الطبري: ٩ / ٢٢٨ - ٢٢٩.]] ، وَنَزَلَتْ أَيْضًا: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا﴾ أَحْكَمُ دِينًا ﴿مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾ أَيْ أَخْلَصَ عَمَلَهُ لِلَّهِ، وَقِيلَ: فَوَّضَ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ، ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ أَيْ: مُوَحِّدٌ، ﴿وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ يَعْنِي: دِينَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ﴿حَنِيفًا﴾ أَيْ: مُسْلِمًا مُخْلِصًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَمِنْ دِينِ إِبْرَاهِيمَ الصَّلَاةُ إِلَى الْكَعْبَةِ وَالطَّوَافُ بِهَا وَمَنَاسِكُ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا خُصَّ إِبْرَاهِيمُ لِأَنَّهُ كَانَ مَقْبُولًا عِنْدَ الْأُمَمِ أَجْمَعَ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ بُعِثَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَزِيدَ لَهُ أَشْيَاءُ. ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ صَفِيًّا، وَالْخِلَّةُ: صَفَاءُ الْمَوَدَّةِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبَا الضِّيفَانِ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ يُضِيفُ مَنْ مَرَّ بِهِ مِنَ النَّاسِ، فَأَصَابَ النَّاسَ سَنَةٌ فَحُشِرُوا إِلَى بَابِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَطْلُبُونَ الطَّعَامَ وَكَانَتِ الْمِيرَةُ لَهُ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ صَدِيقٍ لَهُ بِمِصْرَ، فَبَعْثَ غِلْمَانَهُ بِالْإِبِلِ إِلَى الْخَلِيلِ الَّذِي لَهُ بِمِصْرَ، فَقَالَ خَلِيلُهُ لِغِلْمَانِهِ: لَوْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا يُرِيدُهُ لِنَفْسِهِ احْتَمَلْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَدْ دَخَلَ عَلَيْنَا مَا دَخَلَ عَلَى النَّاسِ مِنَ الشِّدَّةِ، فَرَجَعَ رُسُلُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَمَرُّوا بِبَطْحَاءَ فَقَالُوا: [إِنَّا لَوْ] [[في "ب": (لو أنا) .]] حَمْلنَا مِنْ هَذِهِ الْبَطْحَاءِ لِيَرَى النَّاسُ أَنَّا قَدْ جِئْنَا بِمِيرَةٍ، فَإِنَّا نَسْتَحِي أَنْ نَمُرَّ بِهِمْ وإبلنا فارغة، فملؤوا تِلْكَ الْغَرَائِرَ سَهْلَةً، ثُمَّ أَتَوْا إِبْرَاهِيمَ فَأَعْلَمُوهُ وَسَارَةُ نَائِمَةٌ، فَاهْتَمَّ إِبْرَاهِيمُ لِمَكَانِ النَّاسِ بِبَابِهِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ وَاسْتَيْقَظَتْ سَارَةُ وَقَدِ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا جَاءَ الْغِلْمَانُ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَتْ: فَمَا جَاءُوا بِشَيْءٍ؟ قَالُوا: بَلَى، فَقَامَتْ إِلَى الْغَرَائِرِ فَفَتَحَتْهَا فَإِذَا هِيَ أَجْوَدُ دَقِيقٍ حُوَارِي يَكُونُ، فَأَمَرَتِ الْخَبَّازِينَ فَخَبَزُوا وَأَطْعَمُوا النَّاسَ فَاسْتَيْقَظَ إِبْرَاهِيمُ فَوَجَدَ رِيحَ الطَّعَامِ، فَقَالَ: يَا سَارَةُ مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ قَالَتْ: مِنْ عِنْدِ خَلِيلِكَ الْمِصْرِيِّ، فَقَالَ: هَذَا من عند خليلك اللَّهِ، قَالَ: فَيَوْمئِذٍ اتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا [[هذا من رواية الكلبي، وقد تقدم أنه متروك لكذبه.]] . قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى الْخَلِيلُ الَّذِي لَيْسَ فِي مَحَبَّتِهِ خَلَلٌ، وَالْخُلَّةُ: الصَّدَاقَةُ، فَسُمِّيَ خَلِيلًا لِأَنَّ اللَّهَ أَحَبَّهُ وَاصْطَفَاهُ. وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْخَلَّةِ وَهِيَ الْحَاجَةُ، سُمِّيَ خَلِيلًا أَيْ: فَقِيرًا إِلَى اللَّهِ [لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ فَقْرَهُ وَفَاقَتَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ] [[ما بين القوسين ساقط من: "أ".]] وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ قَوْلَهُ ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ يَقْتَضِي الْخُلَّةَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحَاجَةُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ. ثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ بْنُ أَحْمَدَ التَّيْمِيُّ، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ، ثَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرَةَ الْأَطْرَابُلُسِيُّ، ثَنَا أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَلَكِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَخِي وَصَاحِبِي، وَلَقَدِ اتَّخَذَ اللَّهُ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا" [[أخرجه البخاري في فضل أصحاب النبي ﷺ، باب "لو كنت متخذا خليلا": ٧ / ١٧ عن ابن عباس، دون قوله "ولقد اتخذ الله صاحبكم خليلا"، ومسلم في فضائل الصحابة، باب فضائل أبي بكر الصديق، برقم (٢٣٨٣) : ٤ / ١٨٥٥، والمصنف في شرح السنة: ٤ / ٧٧.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب