﴿فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ﴾ الَّذِي لَكَمَ فِيهِ حُجَّةٌ ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ فِي قَوْلِكُمْ.
﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: أَرَادَ بِالْجِنَّةِ: الْمَلَائِكَةَ، سُمُّوا جِنَّةً لِاجْتِنَانِهِمْ عَنِ الْأَبْصَارِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَيٌّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، وَمِنْهُمْ إِبْلِيسُ، قَالُوا: هُمْ بَنَاتُ اللَّهِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالُوا -لَعَنَهُمُ اللَّهُ -بَلْ تَزَوَّجَ مِنَ الْجِنِّ فَخَرَجَ مِنْهَا الْمَلَائِكَةُ [[أخرجه الطبري: ٢٣ / ١٠٨.]] تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ زَعَمَ بَعْضُ قُرَيْشٍ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّدِيقُ: فَمَنْ أُمَّهَاتُهُمْ، قَالُوا: سَرَوَاتُ الْجِنِّ [[أخرجه الطبري: ٢٣ / ١٠٨، وعزاه السيوطي في الدر المنثور: ٧ / ١٣٣ أيضا لآدم بن أبي إياس، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في شعب الإيمان.]] .
وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَى النَّسَبِ أَنَّهُمْ أَشْرَكُوا الشَّيَاطِينَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، ﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ أَنَّهُمْ﴾ يَعْنِي قَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ ﴿لَمُحْضَرُونَ﴾ فِي النَّارِ، ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ عَمَّا قَالُوا فَقَالَ:
﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْمُحْضَرِينَ، أَيْ: أَنَّهُمْ لَا يَحْضُرُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَإِنَّكُمْ﴾ يَقُولُ لِأَهْلِ مَكَّةَ: ﴿وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ مِنَ الْأَصْنَامِ.
﴿مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ﴾ عَلَى مَا تَعْبُدُونَ، ﴿بِفَاتِنِينَ﴾ بِمُضِلِّينَ أَحَدًا.
﴿إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ إِلَّا مَنْ قَدَّرَ اللَّهُ أَنَّهُ سَيَدْخُلُ النَّارَ، أَيْ: سَبَقَ لَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ الشَّقَاوَةُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ﴾ يَقُولُ جِبْرَائِيلُ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَمَا مِنَّا مَعْشَرَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ، أَيْ: مَا مِنَّا مَلَكٌ إِلَّا لَهُ مَقَامٌ معلوم في السموات يَعْبُدُ اللَّهَ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ما في السموات مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ يُصَلِّي أَوْ يَسَبِّحُ.
وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ" [[أخرجه الترمذي في الزهد، باب: في قول النبي ﷺ: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا" ٦ / ٦٠١ - ٦٠٣ وقال: "حسن غريب" وابن ماجه مطولا في الزهد، باب الحزن والبكاء برقم: (٤١٩٠) ٢ / ١٤٠٢، والإمام أحمد: ٥ / ١٧٣، وصححه الحاكم: ٢ / ٥١٠، وفي ٤ / ٥٧٩ وقال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين وأقره الذهبي: وصححه الألباني في "الصحيحة" برقم (١٧٢٢) .]]
قَالَ الْسُّدِّيُّ: إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ فِي الْقُرْبَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَيْهِ، كَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا.
{"ayahs_start":157,"ayahs":["فَأۡتُوا۟ بِكِتَـٰبِكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ","وَجَعَلُوا۟ بَیۡنَهُۥ وَبَیۡنَ ٱلۡجِنَّةِ نَسَبࣰاۚ وَلَقَدۡ عَلِمَتِ ٱلۡجِنَّةُ إِنَّهُمۡ لَمُحۡضَرُونَ","سُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا یَصِفُونَ","إِلَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلۡمُخۡلَصِینَ","فَإِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ","مَاۤ أَنتُمۡ عَلَیۡهِ بِفَـٰتِنِینَ","إِلَّا مَنۡ هُوَ صَالِ ٱلۡجَحِیمِ","وَمَا مِنَّاۤ إِلَّا لَهُۥ مَقَامࣱ مَّعۡلُومࣱ"],"ayah":"فَإِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ"}