الباحث القرآني

﴿إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ يَعْنِي: هَرَبَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَوَهْبٌ: كَانَ يُونُسُ وَعَدَ قَوْمَهُ الْعَذَابَ، فَلَمَّا تَأَخَّرَ عَنْهُمُ الْعَذَابُ خَرَجَ كَالْمَشُورِ [[المشور: الخجل. وفي "أ" كالمتشور.]] مِنْهُمْ، فَقَصَدَ الْبَحْرَ فَرَكِبَ السَّفِينَةَ، فَاحْتَبَسَتِ السَّفِينَةُ فَقَالَ الْمَلَّاحُونَ: هَاهُنَا عَبْدٌ آبِقٌ مِنْ سَيِّدِهِ، فَاقْتَرَعُوا فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى يُونُسَ، فَاقْتَرَعُوا ثَلَاثًا فَوَقَعَتْ عَلَى يُونُسَ، فَقَالَ يُونُسُ: أَنَا الْآبِقُ، وَزَجَّ نَفْسَهُ فِي الْمَاءِ. وَرُوِيَ فِي الْقِصَّةِ: أَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إِلَى الْبَحْرِ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ وَابْنَانِ لَهُ، فَجَاءَ مَرْكَبٌ فَأَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ مَعَهُمْ فَقَدَّمَ امْرَأَتَهُ لِيَرْكَبَ بَعْدَهَا، فَحَالَ الْمَوْجُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْكَبِ وَمَرَّ الْمَرْكَبُ، ثُمَّ جَاءَتْ مَوْجَةٌ أُخْرَى وَأَخَذَتِ ابْنَهُ الْأَكْبَرَ وَجَاءَ ذِئْبٌ فَأَخَذَ الِابْنَ الْأَصْغَرَ، فَبَقِيَ فَرِيدًا، فَجَاءَ مَرْكَبٌ آخَرُ فَرَكِبَهُ فَقَعَدَ نَاحِيَةً مِنَ الْقَوْمِ، فَلَمَّا مَرَّتِ السَّفِينَةُ فِي الْبَحْرِ رَكَدَتْ، فَاقْتَرَعُوا، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْقِصَّةَ فِي سُورَةِ يُونُسَ [[انظر فيما سبق: ٤ / ١٥١ - ١٥٢.]] . فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَسَاهَمَ﴾ فَقَارَعَ، وَالْمُسَاهَمَةُ: إِلْقَاءُ السِّهَامِ عَلَى جِهَةِ الْقُرْعَةِ، ﴿فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾ الْمَقْرُوعِينَ. ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ﴾ ابْتَلَعَهُ، ﴿وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ آتٍ بِمَا يُلَامُ عَلَيْهِ. ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ﴾ مِنَ الذَّاكِرِينَ لِلَّهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ كَثِيرَ الذَّكَرِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنَ الْمَصَلِّيْنَ. وَقَالَ وَهْبٌ: مِنَ الْعَابِدِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا كَانَتْ لَهُ صَلَاةٌ فِي بَطْنِ الْحُوتِ وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ عَمَلًا صَالِحًا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: شَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى لَهُ طَاعَتَهُ الْقَدِيمَةَ. وَقِيلَ: "فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ" فِي بَطْنِ الْحُوتِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَعْنِي قَوْلَهُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" [الأنبياء: ٨٧] . ﴿لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ لَصَارَ بَطْنُ الْحُوتِ لَهُ قَبْرًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. ﴿فَنَبَذْنَاهُ﴾ طَرَحْنَاهُ، ﴿بِالْعَرَاءِ﴾ يَعْنِي: عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، قَالَ الْسُّدِّيُّ: بِالسَّاحِلِ، وَالْعَرَاءُ: الْأَرْضُ الْخَالِيَةُ عَنِ الشَّجَرِ وَالنَّبَاتِ ﴿وَهُوَ سَقِيمٌ﴾ عَلِيلٌ كَالْفَرْخِ الْمُمَعَّطِ. وَقِيلَ: كَانَ قَدْ بَلِيَ لَحْمُهُ وَرَقَّ عَظْمُهُ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ قُوَّةٌ. وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ لُبْثِهِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، فَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ: سَبْعَةُ أَيَّامٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: عِشْرِينَ يَوْمًا. وَقَالَ الْسُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: الْتَقَمَهُ ضُحًى وَلَفَظَهُ عَشِيَّةً [[ذكر هذه الأقوال السيوطي في الدر المنثور: ٧ / ١٢٧.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب