الباحث القرآني

سُورَةُ الرُّومِ مَكِّيَّةٌ [[مكية بالإجماع دون خلاف. انظر: الدر المنثور: ٦ / ٤٧٨، المحرر الوجيز: ١٢ / ٢٤١. زاد المسير: ٦ / ٢٨٦، القرطبي: ١٤ / ١.]] ﷽ * * * ﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى -مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ:-أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ فَارِسَ وَالرُّومِ قِتَالٌ، وَكَانَ [[ساقط من "أ".]] الْمُشْرِكُونَ يَوَدُّونَ أَنْ تَغْلِبَ فَارِسُ الرُّومَ، لِأَنَّ أَهْلَ فَارِسَ كَانُوا مَجُوسًا أُمِّيِّينَ، وَالْمُسْلِمُونَ يَوَدُّونَ غَلَبَةَ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ، لِكَوْنِهِمْ أَهْلَ كِتَابٍ، فَبَعَثَ كِسْرَى جَيْشًا إِلَى الرُّومِ واستعمل عليها ٦٩/ب رَجُلًا يُقَالُ لَهُ شَهْرَيَرَازُ، وَبَعْثَ قَيْصَرُ جَيْشًا إِلَى فَارِسَ واستعمل عليهم رجل يُدْعَى يَحْفَسُ، فَالْتَقَيَا بِأَذْرِعَاتَ وَبُصْرَى، وَهِيَ أَدْنَى الشَّامِ إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، فَغَلَبَتْ فَارِسُ الرُّومَ، فبلغ ذلك المسلمون بِمَكَّةَ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، وَفَرِحَ بِهِ كُفَّارُ مَكَّةَ، وَقَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: إِنَّكُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَالنَّصَارَى أَهْلُ كِتَابٍ، وَنَحْنُ أُمِّيُّونَ وَقَدْ ظَهَرَ إِخْوَانُنَا مَنْ أَهْلِ فَارِسَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ مَنْ أَهْلِ الرُّومِ، وَإِنَّكُمْ إِنْ قَاتَلْتُمُونَا لَنَظْهَرَنَّ عَلَيْكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَاتِ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إِلَى الْكُفَّارِ، فَقَالَ: فَرِحْتُمْ بِظُهُورِ إِخْوَانِكُمْ، فَلَا تَفْرَحُوا فَوَاللَّهِ لَيُظْهِرُنَّ عَلَى فَارِسَ [عَلَى مَا] [[ساقط من "أ".]] أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ نَبِيُّنَا، فَقَامَ إِلَيْهِ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ فَقَالَ: كَذَبْتَ، فَقَالَ: أَنْتَ أَكْذَبُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، فَقَالَ: اجْعَلْ بَيْنَنَا أَجَلًا أُنَاحِبُكَ عَلَيْهِ -وَالْمُنَاحَبَةُ: الْمُرَاهَنَةُ-عَلَى عَشْرِ قَلَائِصَ مِنِّي وَعَشْرِ قَلَائِصَ مِنْكَ، فَإِنْ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ غَرِمْتُ، وَإِنْ ظَهَرَتْ فَارِسُ غَرِمْتَ فَفَعَلُوا وَجَعَلُوا الْأَجَلَ ثَلَاثَ سِنِينَ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْقِمَارِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "مَا هَكَذَا ذَكَرْتُ إِنَّمَا الْبِضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى التِّسْعِ، فَزَايِدْهُ فِي الْخَطَرِ وَمَادِّهِ فِي الْأَجَلِ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ وَلَقِيَ أُبَيًّا، فَقَالَ: لَعَلَّكَ نَدِمْتَ؟ قَالَ: لَا فَتَعَالَ أُزَايِدُكَ فِي الْخَطَرِ وَأُمَادُّكَ فِي الْأَجَلِ، فَاجْعَلْهَا مِائَةَ قَلُوصٍ [وَمِائَةُ قَلُوصٍ] [[ساقط من "أ".]] إِلَى تِسْعِ سِنِينَ، وَقِيلَ إِلَى سَبْعِ سِنِينَ، قَالَ قَدْ فَعَلْتُ: فَلَمَّا خَشِيَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ أَنْ يَخْرُجَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ مَكَّةَ أَتَاهُ فَلَزِمَهُ، وَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ فَأَقِمْ لِي كَفِيلًا فَكَفَلَ لَهُ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا أَرَادَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ أَنْ يخرج إلى حد أَتَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَلَزِمَهُ، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَدَعُكَ حَتَّى تُعْطِيَنِي كَفِيلًا فَأَعْطَاهُ كَفِيلًا. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ ثُمَّ رَجَعَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ فَمَاتَ بِمَكَّةَ مِنْ جِرَاحَتِهِ الَّتِي جَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ بَارَزَهُ، وَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَذَلِكَ عِنْدَ رَأْسِ سَبْعِ سِنِينَ مِنْ مُنَاحَبَتِهِمْ. وَقِيلَ: كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: لَمْ تَمْضِ تِلْكَ الْمُدَّةُ الَّتِي عَقَدُوا الْمُنَاحَبَةَ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ، وَفِيهَا صَاحِبُ، قِمَارِهِمْ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، وَالْمُسْلِمُونَ وَصَاحِبُ قِمَارِهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْقِمَارِ، حَتَّى غَلَبَتِ الرُّومُ فَارِسَ وَرَبَطُوا خُيُولَهُمْ بِالْمَدَائِنِ وَبَنُو الرُّومِيَّةَ فَقَمِرَ أَبُو بَكْرٍ أُبَيًّا وَأَخَذَ مَالَ الْخَطَرِ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَجَاءَ بِهِ يَحْمِلُهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: "تَصَدَّقْ بِهِ". وَكَانَ سَبَبُ غَلَبَةِ الرُّومِ فَارِسًا -عَلَى مَا قَالَهُ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ-: أَنْ شَهْرَيَرَازَ بَعْدَمَا غُلِبَتِ الرُّومُ لَمْ يَزَلْ يَطَؤُهُمْ وَيُخَرِّبُ مَدَائِنَهُمْ حَتَّى بَلَغَ الْخَلِيجَ، فَبَيْنَا أَخُوهُ فَرْخَانُ جَالِسٌ ذَاتَ يَوْمٍ يَشْرَبُ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: لَقَدْ رَأَيْتُ كَأَنِّي جَالِسٌ عَلَى سَرِيرِ كِسْرَى، فَبَلَغَتْ كَلِمَتُهُ كِسْرَى، فَكَتَبَ إِلَى شَهْرَيَرَازَ: إِذَا أَتَاكَ كِتَابِي فَابْعَثْ إِلَيَّ بِرَأْسِ فَرْخَانَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ مِثْلَ فَرْخَانَ، إِنَّ لَهُ نِكَايَةً وَصَوْتًا فِي الْعَدُوِّ، فَلَا تَفْعَلْ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ فِي رِجَالِ فَارِسَ خَلَفًا مِنْهُ، فَعَجِّلْ بِرَأْسِهِ، فَرَاجَعَهُ فَغَضِبَ كِسْرَى وَلَمْ يَجُبْهُ، وَبَعَثَ بَرِيدًا إِلَى أَهْلِ فَارِسَ أَنِّي قَدْ نَزَعْتُ عَنْكُمْ شَهْرَيَرَازَ وَاسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُمْ فَرْخَانَ الْمَلِكَ، ثُمَّ دَفَعَ إِلَى الْبَرِيدِ صَحِيفَةً صَغِيرَةً أَمَرَهُ فِيهَا بِقَتْلِ شَهْرَيَرَازَ، وَقَالَ: إِذَا وَلَّى فَرْخَانَ الْمُلْكَ وَانْقَادَ لَهُ أَخُوهُ فَأَعْطِهِ، فَلَمَّا قَرَأَ شَهْرَيَرَازُ الْكِتَابَ قَالَ: سَمْعًا وَطَاعَةً، وَنَزَلَ عَنْ سَرِيرِهِ وَجَلَسَ فَرْخَانُ وَدَفَعَ إِلَيْهِ الصَّحِيفَةَ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِشَهْرَيَرَازَ، فَقَدَّمَهُ لِيُضْرَبَ عُنُقُهُ، فَقَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ حَتَّى أَكْتُبَ وَصِيَّتِي. قَالَ: نَعَمْ، فَدَعَا بِالسَّفَطِ فَأَعْطَاهُ ثَلَاثَ صَحَائِفَ، وَقَالَ: كُلُّ هَذَا رَاجَعْتُ فِيكَ كِسْرَى، وَأَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي بِكِتَابٍ وَاحِدٍ؟ فَرَدَّ الْمُلْكَ إِلَى أَخِيهِ، وَكَتَبَ شَهْرَيَرَازُ إِلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً لَا تَحْمِلُهَا الْبُرُدُ، وَلَا تُبَلِّغُهَا الصُّحُفُ، فَالْقَنِي، وَلَا تَلْقَنِي إِلَّا فِي خَمْسِينَ رُومِيًا، فَإِنِّي أَلْقَاكَ فِي خَمْسِينَ فَارِسِيًّا. فَأَقْبَلَ قَيْصَرُ فِي خَمْسِمِائَةِ أَلْفِ رُومِيٍّ، وَجَعَلَ يَضَعُ الْعُيُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الطُّرُقِ، وَخَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ مُكِرَ بِهِ، حَتَّى أَتَاهُ عُيُونُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا خَمْسُونَ رَجُلًا ثُمَّ بَسَطَ لَهُمَا فَالْتَقَيَا فِي قُبَّةِ دِيبَاجٍ ضُرِبَتْ لَهُمَا، وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِكِّينٌ، فَدَعَوَا بِتُرْجُمَانَ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ شَهْرَيَرَازُ: إِنَّ الَّذِينَ خَرَّبُوا مَدَائِنَكَ أَنَا وَأَخِي بِكَيْدِنَا وَشَجَاعَتِنَا، وَإِنَّ كِسْرَى حَسَدَنَا وَأَرَادَ أَنْ أَقْتُلَ أَخِي فَأَبَيْتُ، ثُمَّ أَمَرَ أَخِي أَنْ يَقْتُلَنِي، فَقَدْ خَلَعْنَاهُ جَمِيعًا فَنَحْنُ نُقَاتِلُهُ مَعَكَ. قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمَا، ثُمَّ أَشَارَ أَحَدُهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ أَنَّ السِّرَّ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَإِذَا جَاوَزَ اثْنَيْنِ فَشَا، فَقَتَلَا التُّرْجُمَانَ مَعًا بِسِكِّينِهِمَا، فَأُدِيلَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَاتَّبَعُوهُمْ يُقَتِّلُونَهُمْ، وَمَاتَ كِسْرَى وَجَاءَ الْخَبَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فَفَرِحَ وَمَنْ مَعَهُ [[هذه السياقات التي ذكها المفسرون عن الشعبي وعكرمة وعطاء، ذكرها ابن كثير في التفسير (٣ / ٤٢٤-٤٢٥) قال: ومن أغرب هذه السياقات ما رواه الإمام سنيد بن داود في تفسيره حيث قال.. وساق جملة ما نقله البغوي عن المفسرين.. ثم قال: "فهذا سياق غريب وبناء عجيب". وجملة القصة وسبب النزول وردا بروايات متعددة ثابتة، فقد أخرجها الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن جرير وغيرهم. وانظر: الدر المنثور: ٦ / ٤٧٩-٤٨٣، أسباب النزول ص (٣٩٨) ، الطبري: ٢١ / ١٦-١٩.]] ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾ أَيْ: أَقْرَبِ أَرْضِ الشَّامِ إِلَى أَرْضِ فَارِسَ، قَالَ عِكْرِمَةُ: هِيَ أَذَرِعَاتُ وَكَسْكَرُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَرْضُ الْجَزِيرَةِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْأُرْدُنُ وَفِلَسْطِينُ. ﴿وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ﴾ أَيْ: الرُّومُ مِنْ بَعْدِ غَلَبَةِ فَارِسَ إِيَّاهُمْ، وَالْغَلَبُ وَالْغَلَبَةُ لُغَتَانِ، ﴿سَيَغْلِبُونَ﴾ فَارِسًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب