الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا﴾ يَعْنِي: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَفَرِيقًا أَيْ: طَائِفَةً، وَهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَمَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَأَبُو يَاسِرٍ وَشُعْبَةُ بْنُ عُمَرَ الشَّاعِرُ، ﴿يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ﴾ أَيْ: يَعْطِفُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالتَّحْرِيفِ وَالتَّغْيِيرِ وَهُوَ مَا غَيَّرُوا مِنْ صِفَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَآيَةِ الرَّجْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، يُقَالُ: لَوَى لِسَانَهُ عَلَى كَذَا أَيْ: غَيَّرَهُ، ﴿لِتَحْسَبُوهُ﴾ أي: لتظنوأ ٦٢/أمَا حَرَّفُوا ﴿مِنَ الْكِتَابِ﴾ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، ﴿وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ عَمْدًا، ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى جَمِيعًا وَذَلِكَ أَنَّهُمْ حَرَّفُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَأَلْحَقُوا بِكِتَابِ اللَّهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ﴾ الْآيَةَ قَالَ مُقَاتِلٌ وَالضَّحَّاكُ: مَا كَانَ لِبَشَرٍ يَعْنِي: عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَلِكَ أَنَّ نَصَارَى نَجْرَانَ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ عِيسَى أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَّخِذُوهُ رَبًّا فَقَالَ تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾ يَعْنِي: عِيسَى ﴿أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ﴾ الْإِنْجِيلَ [[أسباب النزول للواحدي ص (١٤٦) .]] . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا ﴿أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ﴾ أَيِ الْقُرْآنَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا رَافِعٍ الْقُرَظِيَّ مِنَ الْيَهُودِ، وَالرَّئِيسَ [[في ب "ليس" وهو خطأ. وفي الواحدي "الرييس".]] مِنْ نَصَارَى أَهْلِ نَجْرَانَ قَالَا يَا مُحَمَّدُ تُرِيدُ أَنْ نَعْبُدَكَ وَنَتَّخِذَكَ رَبًّا فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْمُرَ بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ مَا بِذَلِكَ أَمَرَنِي اللَّهُ، وَلَا بِذَلِكَ أَمَرَنِي [[في ب: بعثني.]] فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ [[رواه ابن إسحاق في السيرة، وعنه أخرجه الطبري في التفسير: ٦ / ٥٣٩ وانظر: لباب النقول للسيوطي بهامش الجلالين ص ١٣١.]] ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾ أَيْ مَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا ﴾ (سُورَةُ، النُّورِ الْآيَةُ: ١٦) أَيْ مَا يَنْبَغِي لَنَا، وَالْبَشَرُ: جَمِيعُ بَنِي آدَمَ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، كَالْقَوْمِ وَالْجَيْشِ وَيُوضَعُ مَوْضِعَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، ﴿أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ﴾ الْفَهْمَ وَالْعِلْمَ وَقِيلَ: إِمْضَاءَ الْحُكْمِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ﴿وَالنُّبُوَّةَ﴾ الْمَنْزِلَةَ الرَّفِيعَةَ بِالْأَنْبِيَاءِ، ﴿ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا﴾ أَيْ: وَلَكِنْ يَقُولُ كُونُوا، ﴿رَبَّانِيِّينَ﴾ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ: كُونُوا فُقَهَاءَ عُلَمَاءَ وَقَالَ قَتَادَةُ: حُكَمَاءَ وَعُلَمَاءَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْعَالِمُ الَّذِي يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فُقَهَاءَ مُعَلِّمِينَ. وَقِيلَ: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: عُلَمَاءَ حُكَمَاءَ نُصَحَاءَ لِلَّهِ فِي خَلْقِهِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: سَمِعْتُ رَجُلًا عَالِمًا يَقُولُ: الرَّبَّانِيُّ الْعَالِمُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، [[في أ: الآمر والناهي.]] الْعَالِمُ بِأَنْبَاءِ الْأُمَّةِ [[الأمة: ساقط من: أ.]] مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَقِيلَ: الرَّبَّانِيُّونَ فَوْقَ الْأَحْبَارِ، وَالْأَحْبَارُ: الْعُلَمَاءُ، وَالرَّبَّانِيُّونَ: الَّذِينَ جَمَعُوا مَعَ الْعِلْمِ الْبَصَارَةَ بِسِيَاسَةِ النَّاسِ. قَالَ الْمُؤَرِّجُ: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ تَدِينُونَ لِرَبِّكُمْ، مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ، كَانَ فِي الْأَصْلِ رَبِّيٌّ فَأُدْخِلَتِ الْأَلِفُ لِلتَّفْخِيمِ، ثُمَّ أُدْخِلَتِ النُّونُ لِسُكُونِ الْأَلِفِ، كَمَا قِيلَ: صَنْعَانِيٌّ وَبَهْرَانِيٌّ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هُمْ أَرْبَابُ الْعِلْمِ سُمُّوا بِهِ لِأَنَّهُمْ يُرَبُّونَ الْعِلْمَ، وَيَقُومُونَ بِهِ وَيُرَبُّونَ الْمُتَعَلِّمِينَ بِصِغَارِ الْعُلُومِ قَبْلَ كِبَارِهَا، وَكُلُّ مَنْ قَامَ بِإِصْلَاحِ شَيْءٍ وَإِتْمَامِهِ فَقَدْ رَبَّهُ يَرُبُّهُ، وَاحِدُهَا: "رَبَّانُ" (كَمَا قَالُوا: رَيَّانُ) [[ساقط من أ.]] وَعَطْشَانُ وَشَبْعَانُ وَعُرْيَانُ ثُمَّ ضُمَّتْ إِلَيْهِ يَاءُ النِّسْبَةِ [[في ب: التشبيه وهو خطأ.]] كَمَا قَالُوا: لِحْيَانِيٌّ وَرَقَبَانِيٌّ. وَحُكِيَ عَنْ عَلَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ الَّذِي يَرُبُّ عِلْمَهُ، بِعَمَلِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ لَمَّا مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْيَوْمَ مَاتَ رَبَّانِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ. ﴿بِمَا كُنْتُمْ﴾ أَيْ: بِمَا أَنْتُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ﴾ (سُورَةُ مَرْيَمَ الْآيَةُ ٢٩) أَيْ: مَنْ هُوَ فِي الْمَهْدِ ﴿تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ﴾ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ " تُعَلِّمُونَ " بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّعْلِيمِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ " تَعْلَمُونَ " بِالتَّخْفِيفِ مِنَ الْعِلْمِ كَقَوْلِهِ: ﴿وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ أي: تقرؤون.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب