الباحث القرآني

﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ اختلفوا في بعض التَّوَفِّي هَاهُنَا، قَالَ الْحَسَنُ وَالْكَلْبِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ: إِنِّي قَابِضُكَ وَرَافِعُكَ فِي الدُّنْيَا إِلَيَّ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي ﴾ (١١٧ -الْمَائِدَةِ) أَيْ قَبَضْتَنِي إِلَى السَّمَاءِ وَأَنَا حَيٌّ، لِأَنَّ قَوْمَهُ إِنَّمَا تَنَصَّرُوا بَعْدَ رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ لَا بَعْدَ مَوْتِهِ، فَعَلَى هَذَا لِلتَّوَفِّي تَأْوِيلَانِ، أَحَدُهُمَا: إِنِّي رَافِعُكَ إِلَيَّ وَافِيًا لَمْ يَنَالُوا مِنْكَ شَيْئًا، مِنْ قَوْلِهِمْ تَوَفَّيْتُ كَذَا وَاسْتَوْفَيْتُهُ إِذَا أَخَذْتُهُ تَامًّا وَالْآخَرُ: أَنِّي [مُسْتَلِمُكَ] [[في "أ" مستسلمك.]] مِنْ قَوْلِهِمْ تَوَفَّيْتُ مِنْهُ كَذَا أَيْ تَسَلَّمْتُهُ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: الْمُرَادُ بِالتَّوَفِّي النَّوْمُ [وَكُلُّ ذِي عَيْنٍ نَائِمٌ] [[ساقط من "ب".]] وَكَانَ عِيسَى قَدْ نَامَ فَرَفَعَهُ اللَّهُ نَائِمًا إِلَى السَّمَاءِ، مَعْنَاهُ: أَنِّي مُنَوِّمُكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ﴾ (٦٠ -الْأَنْعَامِ) أَيْ يُنِيمُكُمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمُرَادُ بِالتَّوَفِّي الْمَوْتُ، رُوِيَ [عَنْ] [[ساقط من "ب".]] عَلِيِّ بْنِ طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنِّي مُمِيتُكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ ﴾ (١١ -السَّجْدَةِ) فَعَلَى هَذَا لَهُ تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا مَا قَالَهُ وهب: توفى ٥٩/ب اللَّهُ عِيسَى ثَلَاثَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: إِنَّ النَّصَارَى يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَفَّاهُ سَبْعَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ ثُمَّ أَحْيَاهُ وَرَفَعَهُ، وَالْآخَرُ مَا قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَجَمَاعَةٌ: إِنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا مَعْنَاهُ أَنِّي رَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمُتَوَفِّيكَ بَعْدَ إِنْزَالِكَ مِنَ السَّمَاءِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُلَيْحِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلًا يَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ" [[أخرجه البخاري في الأنبياء. باب: نزول عيسى بن مريم عليهما السلام: ٦ / ٤٩٠. ومسلم في الإيمان. باب: نزول عيسى بن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد ﷺ برقم (١٥٥) ١ / ١٣٥ - ١٣٦. والمصنف في شرح السنة: ١٥ / ٨٠ - ٨١.]] . وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي نُزُولِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: "وَتَهْلِكُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلُ كُلُّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ، وَيَهْلَكُ الدَّجَّالُ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ" [[أخرجه أو داود - في الملاحم: باب: خروج الدجال: ٦ / ١٧٧ وسكت عنه المنذري. وأحمد في المسند عن أبي هريرة: ٢ / ٤٠٦، ٤٣٧ مطولا.]] . وَقِيلَ لِلْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ هَلْ تَجِدُ نُزُولَ عِيسَى فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ نَعَمْ: ﴿وَكَهْلًا﴾ وَلَمْ يَكْتَهِلْ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ وَكَهْلًا بَعْدَ نُزُولِهِ مِنَ السَّمَاءِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أَيْ مُخْرِجُكَ مِنْ بَيْنِهِمْ وَمُنْجِيكَ مِنْهُمْ ﴿وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ قَالَ قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ وَالشَّعْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: هُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ الَّذِينَ صَدَّقُوهُ وَاتَّبَعُوا دِينَهُ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَهُوَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا ظَاهِرِينَ قَاهِرِينَ بِالْعِزَّةِ وَالْمَنْعَةِ وَالْحُجَّةِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي الْحَوَارِيِّينَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ الرُّومِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِمُ النَّصَارَى فَهُمْ فَوْقَ الْيَهُودِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّ الْيَهُودَ قَدْ ذَهَبَ مُلْكُهُمْ، وَمُلْكُ النَّصَارَى دَائِمٌ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الِاتِّبَاعُ بِمَعْنَى الِادِّعَاءِ وَالْمَحَبَّةِ لَا اتِّبَاعَ الدِّينِ. ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ فِي الْآخِرَةِ ﴿فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَأَمْرِ عِيسَى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب