الباحث القرآني

﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾ الْآيَةَ قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي أَبِي بَكْرٍ وَفِنْحَاصَ بْنِ عَازُورَاءَ. وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ إِلَى فِنْحَاصَ بْنِ عَازُورَاءَ سَيِّدِ بَنِي قَيْنُقَاعَ لِيَسْتَمِدَّهُ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا وَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "لَا تَفْتَاتَنَّ [[كل من أحدث دونك شيئا ومضى عليه ولم يستشرك واستبد به دونك فقد فاتك بالشيء وافتات عليك له أو فيه. وهو "افتعال" من "الفوت" وهو السبق إلى الشيء دون ائتمار أو مشورة. وانظر: تعليق محمود شاكر على الطبري: ٧ / ٤٥٥ النهاية لابن الأثير: ٣ / ٤٧٧.]] عَلَيَّ بِشَيْءٍ حَتَّى تَرْجِعَ" فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مُتَوَشِّحٌ بِالسَّيْفِ فَأَعْطَاهُ الْكِتَابَ فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ: قَدِ احْتَاجَ رَبُّكَ إِلَى أَنْ نُمِدَّهُ، فَهَمَّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَضْرِبَهُ بِالسَّيْفِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ النَّبِيِّ ﷺ: "لَا تَفْتَاتَنَّ عَلَيَّ بِشَيْءٍ حَتَّى تَرْجِعَ" فَكَفَّ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ [[الطبري: ٧ / ٤٥٥ وعزاه السيوطي في لباب النقول ص (١٢٦) لابن أبي حاتم وابن المنذر وقال: "إنه سند حسن" وانظر: فتح الباري: ٨ /٢٣١.]] . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ كَانَ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَيَسُبُّ الْمُسْلِمِينَ، وَيُحَرِّضُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ فِي شِعْرِهِ وَيُشَبِّبُ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "مَنْ لِي بِابْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ"؟. فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ: أَنَا لَكَ يَا رَسُولُ اللَّهِ، أَنَا أَقْتُلُهُ قَالَ: "فَافْعَلْ إِنْ قَدَرْتَ عَلَى ذَلِكَ". فَرَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَمَكَثَ ثَلَاثًا لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ إِلَّا مَا تَعَلَّقَ نَفْسَهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَدَعَاهُ وَقَالَ لَهُ: لِمَ تَرَكْتَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتُ قَوْلًا وَلَا أَدْرِي هَلْ أَفِي بِهِ أَمْ لَا فَقَالَ: إِنَّمَا عَلَيْكَ الْجُهْدُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَا بُدَّ لَنَا مِنْ أَنْ نَقُولَ قَالَ: قُولُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَأَنْتُمْ فِي حِلٍّ مِنْ ذَلِكَ، فَاجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَسِلْكَانُ بْنُ سَلَامٍ وَأَبُو نَائِلَةَ، وَكَانَ أَخَا كَعْبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ وَأَبُو عِيسَى بْنُ جُبَيْرٍ فَمَشَى مَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ثُمَّ وَجَّهَهُمْ، وَقَالَ: "انْطَلِقُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ أَعِنْهُمْ" ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَذَلِكَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ. فَأَقْبَلُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى حِصْنِهِ فَقَدَّمُوا أَبَا نَائِلَةَ فَجَاءَهُ فَتَحَدَّثَ مَعَهُ سَاعَةً وَتَنَاشَدَا الشِّعْرَ، وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ يَقُولُ الشِّعْرَ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ إِنِّي قَدْ جِئْتُكَ لِحَاجَةٍ أُرِيدُ ذِكْرَهَا لَكَ فَاكْتُمْ عَلَيَّ قَالَ أَفْعَلُ قَالَ: كَانَ قُدُومُ هَذَا الرَّجُلِ بِلَادَنَا بَلَاءً عَادَتْنَا الْعَرَبُ وَرَمَوْنَا عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَانْقَطَعَتْ عَنَّا السُّبُلُ حَتَّى ضَاعَتِ الْعِيَالُ وَجَهَدَتِ الْأَنْفُسُ، فَقَالَ كَعْبٌ: أَنَا ابْنُ الْأَشْرَفِ أَمَا وَاللَّهُ لَقَدْ كُنْتُ أَخْبَرْتُكَ يَا بن سَلَامَةَ أَنَّ الْأَمْرَ سَيَصِيرُ إِلَى هَذَا، فَقَالَ أبو نائلة: ٧٥/ب إِنَّ مَعِي أَصْحَابًا أَرَدْنَا أَنْ تَبِيعَنَا طَعَامَكَ وَنَرْهَنُكَ وَنُوَثِّقُ لَكَ وَتُحْسِنُ فِي ذَلِكَ قَالَ: أَتَرْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ قَالَ: إِنَّا نَسْتَحِي إِنْ يُعَيَّرَ أَبْنَاؤُنَا فَيُقَالُ هَذَا رَهِينَةُ وَسْقٍ وَهَذَا رَهِينَةُ وَسْقَيْنِ قَالَ: تَرْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ وَلَا نَأْمَنُكَ وَأَيَّةُ امْرَأَةٍ تَمْتَنِعُ مِنْكَ لِجَمَالِكَ؟ وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ الْحَلْقَةَ يَعْنِي: السِّلَاحَ وَقَدْ عَلِمْتَ حَاجَتَنَا إِلَى السِّلَاحِ، قَالَ: نَعَمْ وَأَرَادَ أَبُو نَائِلَةَ أَنْ لَا يُنْكِرَ السِّلَاحَ إِذَا رَآهُ فَوَعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَرَجَعَ أَبُو نَائِلَةَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ. فَأَقْبَلُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى حِصْنِهِ لَيْلًا فَهَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَةَ وَكَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، فَوَثَبَ مِنْ مِلْحَفَتِهِ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: أَسْمَعُ صَوْتًا يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ، وَإِنَّكَ رَجُلٌ مُحَارِبٌ وَإِنَّ صَاحِبَ الْحَرْبِ لَا يَنْزِلُ فِي مِثْلِ هَذِهِ السَّاعَةِ فَكَلِّمْهُمْ مِنْ فَوْقِ الْحِصْنِ فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ وَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَوْ وَجَدُونِي نَائِمًا مَا أَيْقَظُونِي، وَإِنَّ الْكَرِيمَ إِذَا دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ أَجَابَ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ فَتَحَدَّثَ مَعَهُمْ سَاعَةً ثُمَّ قَالُوا: يَا بن الْأَشْرَفِ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ نَتَمَاشَى إِلَى شِعْبِ الْعَجُوزِ نَتَحَدَّثُ فِيهِ بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتُمْ؟ فَخَرَجُوا يَتَمَاشَوْنَ وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ قَالَ: لِأَصْحَابِهِ إِنِّي فَاتِلٌ شَعْرَهُ فَأَشُمُّهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ فَدُونَكُمْ فَاضْرِبُوهُ، ثُمَّ إِنَّهُ شَامَ يَدَهُ فِي فَوْدِ رَأْسِهِ ثُمَّ شَمَّ يَدَهُ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَاللَّيْلَةِ طِيبَ عَرُوسٍ قَطُّ، قَالَ: إِنَّهُ طِيبُ أُمِّ فُلَانٍ يَعْنِي امْرَأَتَهُ، ثُمَّ مَشَى سَاعَةً ثُمَّ عَادَ لِمِثْلِهَا حَتَّى اطْمَأَنَّ ثُمَّ مَشَى سَاعَةً فَعَادَ لِمِثْلِهَا ثُمَّ أَخَذَ بِفَوْدَيْ رَأْسِهِ حَتَّى اسْتَمْكَنَ ثُمَّ قَالَ: اضْرِبُوا عَدُوَّ اللَّهِ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُهُمْ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَذَكَرْتُ مِغْوَلًا فِي سَيْفِي فَأَخَذْتُهُ وَقَدْ صَاحَ عَدُوُّ اللَّهِ صَيْحَةً لَمْ يَبْقَ حَوْلَنَا حِصْنٌ إِلَّا أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نَارٌ، قَالَ فَوَضَعْتُهُ فِي ثُنْدُوَتِهِ ثُمَّ تَحَامَلْتُ عَلَيْهِ حَتَّى بَلَغْتُ عَانَتَهُ وَوَقَعَ عَدُوُّ اللَّهِ، وَقَدْ أُصِيبَ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ بِجُرْحٍ فِي رَأْسِهِ أَصَابَهُ بَعْضُ أَسْيَافِنَا، فَخَرَجْنَا وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْنَا صَاحِبُنَا الْحَارِثُ وَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَوَقَفْنَا لَهُ سَاعَةً ثُمَّ أَتَانَا يَتْبَعُ آثَارَنَا فَاحْتَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ آخِرَ اللَّيْلِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ كَعْبٍ وَجِئْنَا بِرَأْسِهِ إِلَيْهِ وَتَفَلَ عَلَى جُرْحِ صَاحِبِنَا. فَرَجَعْنَا إِلَى أَهْلِنَا فَأَصْبَحْنَا وَقَدْ خَافَتْ يَهُودُ وَقْعَتَنَا بِعَدُوِّ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ ظَفِرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ يَهُودَ فَاقْتُلُوهُ" فَوَثَبَ مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ عَلَى سُنَيْنَةِ رَجُلٍ مِنْ تُجَّارِ الْيَهُودِ كَانَ يُلَابِسُهُمْ وَيُبَايِعُهُمْ فَقَتَلَهُ وَكَانَ حُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إِذْ ذَاكَ لَمْ يُسْلِمْ وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ مُحَيِّصَةَ فَلَمَّا قَتَلَهُ جَعَلَ حُوَيِّصَةُ يَضْرِبُهُ وَيَقُولُ: أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ قَتَلْتَهُ أَمَا وَاللَّهِ لَرُبَّ شَحْمٍ فِي بَطْنِكَ مِنْ مَالِهِ. قَالَ مُحَيِّصَةُ: وَاللَّهِ لَوْ أَمَرَنِي بِقَتْلِكَ مَنْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ، قَالَ: لَوْ أَمَرَكَ مُحَمَّدٌ بِقَتْلِي لَقَتَلْتَنِي؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ وَاللَّهِ إِنَّ دِينًا بَلَغَ بِكَ هَذَا لَعَجَبٌ؟ ! فَأَسْلَمَ حُوَيِّصَةُ [[أخرج القصة بطولها ابن إسحاق في السيرة: ٢ / ١٢٣ - ١٢٦ واختصرها البخاري في المغازي باب قتل كعب: ٧ / ٣٣٧ - وانظر: تفسير الطبري: ٧ / ٤٥٦ - ٤٥٨ وعزاه السيوطي في اللباب ص (١٤٦) لعبد الرزاق وكذلك ابن حجر في الفتح: ٨ / ٢٣١.]] وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَأْنِ كَعْبٍ: ﴿لَتُبْلَوُنَّ﴾ لَتُخْبَرُنَّ اللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ وَفِيهِ مَعْنَى الْقَسَمِ، وَالنُّونُ لِتَأْكِيدِ الْقَسَمِ ﴿فِي أَمْوَالِكُمْ﴾ بِالْجَوَائِحِ وَالْعَاهَاتِ وَالْخُسْرَانِ ﴿وَأَنْفُسِكُمْ﴾ بِالْأَمْرَاضِ وَقِيلَ: بِمَصَائِبِ الْأَقَارِبِ وَالْعَشَائِرِ، قَالَ عَطَاءٌ: هُمُ الْمُهَاجِرُونَ أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ أَمْوَالَهُمْ وَرِبَاعَهُمْ وَعَذَّبُوهُمْ وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ مَا فُرِضَ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْحُقُوقِ، كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالزَّكَاةِ، ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ يَعْنِي: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، ﴿وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ، ﴿أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا﴾ عَلَى أَذَاهُمْ ﴿وَتَتَّقُوا﴾ اللَّهَ، ﴿فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ مِنْ حَقِّ الْأُمُورِ وَخَيْرِهَا وَقَالَ عَطَاءٌ: مِنْ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب