الباحث القرآني

﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ فَصَبَرُوا يَوْمَ بَدْرٍ فَاتَّقَوْا فَأَمَدَّهُمُ اللَّهُ بِخَمْسَةِ آلَافٍ كَمَا وَعَدَ قَالَ الْحَسَنُ: وَهَؤُلَاءِ الْخَمْسَةُ آلَافٍ رِدْءُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: لَمْ تُقَاتِلِ الْمَلَائِكَةُ فِي الْمَعْرَكَةِ إِلَّا يَوْمَ بَدْرٍ، وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ يَشْهَدُونَ الْقِتَالَ وَلَا يُقَاتِلُونَ، إِنَّمَا يَكُونُونَ عَدَدًا وَمَدَدًا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْجَلَى الْقَوْمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَقِيَ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ يَرْمِي وَفَتًى شَابٌّ يَتَنَبَّلُ لَهُ كُلَّمَا فَنِيَ النَّبْلُ أَتَاهُ بِهِ فَنَثَرَهُ فَقَالَ ارْمِ أَبَا إِسْحَاقَ مَرَّتَيْنِ، فَلَمَّا انْجَلَتِ الْمَعْرَكَةُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ يُعْرَفْ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُلَيْحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ [[في أ: "بدر" وانظر: فتح الباري: ٧ / ٣٤٩.]] وَمَعَهُ رَجُلَانِ يُقَاتِلَانِ عَنْهُ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ كَأَشَدِّ الْقِتَالِ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ [[أخرجه البخاري في المغازي باب: "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا" ٧ / ٣٥٨، وفي اللباس باب الثياب البيض، ومسلم في الفضائل باب قتال جبريل وميكائيل عن النبي ﷺ يوم أحد برقم (٢٣٠٦) : ٤ / ١٨٠٢، والمصنف في شرح السنة: ١٣ / ٢٩٢.]] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: "رَأَيْتُ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَعَنْ شِمَالِهِ يَوْمَ أُحُدٍ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بيض ما رأبتهما قَبْلُ وَلَا بَعْدُ" يَعْنِي: جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ [[أخرجه مسلم في الفضائل باب في قتال جبريل وميكائيل عن النبي ﷺ. .برقم (٢٣٠٦) : ٤ / ١٨٠٢.]] . وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَالْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ: أَنَّ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ الْمُحَارِبِيَّ يُرِيدُ أَنْ يَمُدَّ الْمُشْرِكِينَ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ﴾ إِلَى قَوْلِهِ ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ فَبَلَغَ كُرْزًا الْهَزِيمَةُ فَرَجَعَ فَلَمْ يَأْتِهِمْ وَلَمْ يَمُدَّهُمْ فَلَمْ يَمُدَّهُمُ اللَّهُ أَيْضًا بِالْخَمْسَةِ آلَافٍ، وَكَانُوا قَدْ أُمِدُّوا بِأَلْفٍ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: إِنَّمَا وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ إِنْ صَبَرُوا عَلَى طَاعَتِهِ وَاتَّقَوْا مَحَارِمَهُ: أَنْ يَمُدَّهُمْ أَيْضًا فِي حُرُوبِهِمْ كُلِّهَا فَلَمْ يَصْبِرُوا إِلَّا فِي يَوْمِ الْأَحْزَابِ، فَأَمَدَّهُمُ اللَّهُ حَتَّى حَاصَرُوا قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى: كُنَّا مُحَاصِرِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ [[لم يرد في كتب السيرة أن قريظة والنضير حوصروا في زمن واحد كما توهمه الرواية هنا وانظر: السيرة النبوية لابن هشام: ٢ / ١٩٤ وما بعدها مع الروض الأنف، طبقات ابن سعد: ٢ / ٥٧ و٧٤.]] مَا شَاءَ اللَّهُ فَلَمْ يُفْتَحْ عَلَيْنَا فَرَجَعْنَا فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِغُسْلٍ فَهُوَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ إِذْ جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: وَضَعْتُمْ أَسْلِحَتَكُمْ وَلَمْ تَضَعِ الْمَلَائِكَةُ أَوْزَارَهَا؟ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِخِرْقَةٍ فَلَفَّ بِهَا رَأْسَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ، ثُمَّ نَادَى فِينَا فَقُمْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ [[انظر: المصنف لابن أبي شيبة ١٤ / ٤٢٤ الاكتفاء في مغازي رسول الله. . .للكلاعي: ٢ / ١٧٦.]] فَيَوْمَئِذٍ أَمَدَّنَا اللَّهُ تَعَالَى بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَفَتَحَ لَنَا فَتْحًا يَسِيرًا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَعِكْرِمَةُ: كَانَ هَذَا يَوْمَ أُحُدٍ وَعَدَهُمُ اللَّهُ الْمَدَدَ إِنْ صَبَرُوا فَلَمْ يَصْبِرُوا فَلَمْ يُمَدُّوا بِهِ [[في ب "يمددهم".]] . قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ﴾ وَالْإِمْدَادُ: إِعَانَةُ الْجَيْشِ بِالْجَيْشِ، وَقِيلَ: مَا كَانَ عَلَى جِهَةِ الْقُوَّةِ وَالْإِعَانَةِ يُقَالُ فِيهِ: أُمِدُّهُ إِمْدَادًا وَمَا كَانَ عَلَى جِهَةِ الزِّيَادَةِ يُقَالُ: مَدَّهُ مَدًّا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ ﴾ [لقمان: ٢٧] وَقِيلَ: الْمَدُّ فِي الشَّرِّ وَالْإِمْدَادُ فِي الْخَيْرِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [البقرة: ١٥] " وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا " [مريم: ٧٩] وَقَالَ فِي الْخَيْرِ: ﴿أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ وَقَالَ: " وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ " [الإسراء: ٢٦] . قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ عَلَى التَّكْثِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ ﴾ [الأنعام: ١١١] وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ ﴾ [الفرقان: ٢١] وَقَوْلُهُ: ﴿ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ﴾ [التوبة: ٢٦] . ثُمَّ قَالَ: ﴿بَلَى﴾ نَمُدُّكُمْ [[في أ: يمددكم.]] ﴿إِنْ تَصْبِرُوا﴾ لِعَدُوِّكُمْ ﴿وَتَتَّقُوا﴾ أَيْ: مُخَالَفَةَ نَبِيِّكُمْ ﴿وَيَأْتُوكُمْ﴾ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ ﴿مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: مِنْ وَجْهِهِمْ [[في أ: "وجوههم".]] هَذَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ: مِنْ غَضَبِهِمْ هَذَا، لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا رَجَعُوا لِلْحَرْبِ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ غَضَبِهِمْ لِيَوْمِ بَدْرٍ، ﴿يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ﴾ لَمْ يُرِدْ خَمْسَةَ آلَافٍ سِوَى مَا ذَكَرَ [[في أ: ذكرنا.]] مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ بَلْ أَرَادَ مَعَهُمْ وَقَوْلُهُ ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ أَيْ: مُعَلِّمِينَ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا فَمَنْ كَسَرَ الْوَاوَ فَأَرَادَ أَنَّهُمْ سَوَّمُوا خَيْلَهُمْ وَمَنْ فَتَحَهَا أَرَادَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَالتَّسْوِيمُ: الْإِعْلَامُ مِنَ السَّوْمَةِ وَهِيَ الْعَلَامَةُ. وَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْعَلَامَةِ فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ عَلَيْهِمْ عَمَائِمُ صُفْرٌ، وَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: كَانَتْ عَلَيْهِمْ عَمَائِمُ بِيضٌ قَدْ أَرْسَلُوهَا بَيْنَ أَكْتَافِهِمْ، (وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ وَالْكَلْبِيُّ: عَمَائِمُ صُفْرٌ مُرَخَّاةٌ عَلَى أَكْتَافِهِمْ) [[زيادة من "أ".]] وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ: كَانُوا قَدْ أَعْلَمُوا بِالْعِهْنِ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ وَأَذْنَابِهَا، وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ: "تَسَوَّمُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَدْ تَسَوَّمَتْ بِالصُّوفِ الْأَبْيَضِ فِي قَلَانِسِهِمْ وَمَغَافِرِهِمْ" [[أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف كتاب الجهاد: ١٢ / ٢٦١ من طريق محمد بن أبي عدي عن ابن عون عن عمير بن إسحاق قال. . . وأخرجه أيضا في المغازي: ١٤ / ٣٥٨ من طريق أبي أسامة عن ابن عون عن عمير بن إسحاق مرسلا، ورواه الطبري في التفسير: ٧ / ١٨٦. وقال الواقدي: حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد. . فذكره. . ورواه ابن سعد في الطبقات: ٢ / ١٦. وانظر: الكافي الشاف لابن حجر ص (٣١) .]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب