الباحث القرآني
﴿فَخَرَجَ مِنْهَا﴾ مُوسَى، ﴿خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ أَيْ: يَنْتَظِرُ الطَّلَبَ، ﴿قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ الْكَافِرِينَ، وَفِي الْقِصَّةِ: أَنَّ فِرْعَوْنَ بَعْثَ فِي طَلَبِهِ حِينَ أُخْبِرَ بِهَرَبِهِ فَقَالَ ارْكَبُوا ثَنَيَاتِ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ كَيْفَ الطَّرِيقُ.
﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ﴾ أَيْ: قَصَدَ نَحْوَهَا مَاضِيًا إِلَيْهَا، يُقَالُ: دَارُهُ تِلْقَاءَ دَارِ فُلَانٍ، إذا كانت محاذيتها، وَأَصْلُهُ مِنَ اللِّقَاءِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: يَعْنِي سَلَكَ الطَّرِيقَ الَّذِي تِلْقَاءَ مَدْيَنَ فِيهَا، وَمَدْيَنُ هُوَ مَدْيَنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سُمِّيَتِ الْبَلْدَةُ بِاسْمِهِ، وَكَانَ مُوسَى قَدْ خَرَجَ خَائِفًا بِلَا ظَهْرٍ وَلَا حِذَاءٍ وَلَا زَادٍ، وَكَانَتْ مَدْيَنُ عَلَى مَسِيرَةِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ مِنْ مِصْرَ، ﴿قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ أَيْ: قَصْدَ الطَّرِيقِ إِلَى مَدْيَنَ، قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفِ الطَّرِيقَ إِلَيْهَا قَبْلُ، فَلَّمَا دَعَا جَاءَهُ مَلِكٌ بِيَدِهِ عَنَزَةٌ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى مَدْيَنَ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: خَرَجَ مُوسَى مِنْ مِصْرَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الشَّجَرِ وَالْبَقْلُ، حَتَّى يَرَى خُضْرَتَهُ فِي بَطْنِهِ، وَمَا وَصَلَ إِلَى مَدْيَنَ حَتَّى وَقْعَ خُفُّ قَدَمَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ أَوَّلُ ابْتِلَاءٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ﴾ وَهُوَ بِئْرٌ كَانُوا يَسْقُونَ مِنْهَا مَوَاشِيَهُمْ، ﴿وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً﴾ جَمَاعَةً ﴿مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾ مَوَاشِيَهُمْ، ﴿وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ﴾ يَعْنِي: سِوَى الْجَمَاعَةِ، ﴿امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ﴾ يَعْنِي: تَحْبِسَانِ وَتَمْنَعَانِ أَغْنَامَهُمَا عَنِ الْمَاءِ حَتَّى يَفْرُغَ النَّاسُ وَتَخْلُوَ لَهُمُ الْبِئْرُ، قَالَ الْحَسَنُ: تَكُفَّانِ الْغَنَمَ عَنْ أَنْ تَخْتَلِطَ بِأَغْنَامِ النَّاسِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: تَكُفَّانِ النَّاسَ عَنْ أَغْنَامِهِمَا. وَقِيلَ: تَمْنَعَانِ أَغْنَامَهُمَا عَنْ أَنْ تَشِذَّ وَتَذْهَبَ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصْوَبُهَا، لِمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿قَالَ﴾ يَعْنِي: مُوسَى لِلْمَرْأَتَيْنِ، ﴿مَا خَطْبُكُمَا﴾ مَا شَأْنُكُمَا لَا تَسْقِيَانِ مَوَاشِيَكُمَا مَعَ النَّاسِ؟ ﴿قَالَتَا لَا نَسْقِي﴾ أَغْنَامَنَا، ﴿حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَابْنُ عَامِرٍ: "يَصْدُرَ" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الدَّالِ عَلَى اللُّزُومِ، أَيْ: حَتَّى يَرْجِعَ الرِّعَاءُ عَنِ الْمَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ، أَيْ: حَتَّى يَصْرِفُوا هُمْ مَوَاشِيَهُمْ عَنِ الْمَاءِ، وَ"الرِّعَاءُ" جَمْعُ رَاعٍ، مِثَلَ: تَاجِرٍ وَتُجَّارٍ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: لَا نَسْقِي مَوَاشِيَنَا حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ، لِأَنَّا امْرَأَتَانِ لَا نُطِيقُ أَنْ نَسْقِيَ، وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُزَاحِمَ الرِّجَالَ، فَإِذَا صَدَرُوا سَقَيْنَا مَوَاشِيَنَا مَا أَفْضَلَتْ مَوَاشِيهُمْ فِي الْحَوْضِ.
﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْقِيَ مَوَاشِيَهُ، فَلِذَلِكَ احْتَجْنَا نَحْنُ إِلَى سَقْيِ الْغَنَمِ. وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِ أَبِيهِمَا، فَقَالَ مُجَاهِدٌ، والضحاك، والسدي ٦٢/ب وَالْحَسَنُ: هُوَ شُعَيْبٌ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ يَثْرُونُ [[قال ابن كثير: إن هذا موجود في كتب بني إسرائيل.]] بْنُ أَخِي شُعَيْبٍ، وَكَانَ شُعَيْبٌ قَدْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ بَعْدَمَا كُفَّ بَصَرُهُ، فَدُفِنَ بَيْنَ الْمَقَامِ وَزَمْزَمَ. وَقِيلَ: رَجُلٌ مِمَّنْ آمَنَ بِشُعَيْبٍ [[قال الطبري رحمه الله (٢٠ / ٦٢) : "وهذا مما لا يدرك علمه إلا بخير، ولا خبر بذلك تجب حجته، فلا قول في ذلك أولى بالصواب مما قاله الله جل ثناؤه..". وبعد أن ذكر ابن كثير الآراء السالفة قال: (٣ / ٣٨٥-٣٨٦) : "وقال آخرون: كان شعيب قبل زمان موسى عليه السلام بمدة طويلة لأنه قال لقومه: (وما قوم لوط منكم ببعيد) وقد كان هلاك قوم لوط في زمن الخليل عليه السلام بنص القرآن، وقد علم أنه كان بين الخليل وموسى عليهما السلام مدة طويلة تزيد على أربعمائة سنة، كما ذكره غير واحد. وما قيل إن شعيبا عاش مدة طويلة إنما هو -والله أعلم- احتراز من هذا الإشكال، ثم من المقوي لكونه ليس بشعيب: أنه لو كان إياه لأوشك أن ينص على اسمه في القرآن هاهنا، وما جاء في بعض الأحاديث من التصريح بذكره في قصة موسى لم يصح إسناده".
ولذلك قال الأستاذ سيد قطب في "الظلال" (٥ / ٢٦٨٧) تعليق (١) -طبعة دار الشروق- " ... وأنا الآن أميل إلى ترجيح أنه ليس هو -شعيب- وإنما هو شيخ آخر من مدين. والذي يحمل على هذا الترجيح: أن هذا الرجل شيخ كبير. وشعيب شهد مهلك قومه، المكذبين له، ولم يبق معه إلا المؤمنون به، فلو كان هو شعيب -النبي- بين بقية قومه المؤمنين، ما سقوا قبل بنتي نبيهم الشيخ الكبير. فليس هذا سلوك قوم مؤمنين، ولا معاملتهم لنبيهم وبناته من أول جيل!. يضاف إلى هذا: أن القرآن لم يذكر شيئا عن تعليمه لموسى صهره، ولو كان شعيبا النبي سمعنا صوت النبوة في شيء من هذا مع موسى وقد عاش معه عشر سنوات".]] قَالُوا: فَلَمَّا سَمِعَ مُوسَى قَوْلَهَمَا رَحِمَهُمَا فَاقْتَلَعَ صَخْرَةً مِنْ رَأْسِ بِئْرٍ أُخْرَى كَانَتْ بِقُرْبِهِمَا لَا يُطِيقُ رَفْعَهَا إِلَّا جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: إِنَّ مُوسَى زَاحَمَ الْقَوْمَ وَنَحَّاهُمْ عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ، فَسَقَى غَنَمَ الْمَرْأَتَيْنِ. وَيُرْوَى: أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا رَجَعُوا بِأَغْنَامِهِمْ غَطَّوْا رَأْسَ الْبِئْرِ بِحَجَرٍ لَا يَرْفَعُهُ إِلَّا عَشَرَةُ نَفَرٍ، فَجَاءَ مُوسَى وَرَفَعَ الْحَجَرَ وَحْدَهُ، وَسَقَى غَنَمَ الْمَرْأَتَيْنِ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ نَزَعَ ذَنُوبًا وَاحِدًا وَدَعَا فِيهِ بِالْبَرَكَةِ، فَرَوَى مِنْهُ جَمِيعُ الْغَنَمِ [[أخرج الفريابي، وابن أبي شيبة في "المصنف"، وعبد بن حميد وابن المنذر، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم -وصححه- عن عمر ابن الخطاب رضي عنه أثرا في ذلك، وساقه ابن كثير مختصرا. انظر: المصنف: ١١ / ٥٣٠-٥٣١، المستدرك: ٢ / ٤٠٧، الطبري: ٢٠ / ٦٤، الدر المنثور: ٦ / ٤٠٥، وابن كثير: ٣ / ٣٨٥، وليس في شيء من الروايات التي ساقها المفسرون أي: حديث مرفوع إلى النبي ﷺ في دلائل قوة موسى عليه السلام، كرفع الحجر الذي يغطي البئر، وكان لا يرفعه -فيما قالوا- إلا عشرون أو أربعون أو أكثر أو أقل ... إنما كان الرعاء يسقون فنحاهم موسى وسقى للمرأتين أو سقى لهما مع الرعاء.
ولا حاجة لما رواه كثير من المفسرين عن دلائل أمانته من قوله للفتاة: امشي خلفي ودليني على الطريق خوف أن يراها.. فهذا كله تكلف لا داعي له، ودفع لريبة لا وجود لها، وموسى -عليه السلام- عفيف النظر، نظيف الحس، وهي كذلك، والعفة والأمانة لا تحتاجان لكل هذا التكلف، فالعفة تنضح في التصرف العادي البسيط بلا تكلف ولا اصطناع!. انظر: في ظلال القرآن: ٥ / ٢٦٨٧-٢٦٨٨.]] ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ﴾
{"ayahs_start":21,"ayahs":["فَخَرَجَ مِنۡهَا خَاۤىِٕفࣰا یَتَرَقَّبُۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِی مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ","وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلۡقَاۤءَ مَدۡیَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّیۤ أَن یَهۡدِیَنِی سَوَاۤءَ ٱلسَّبِیلِ","وَلَمَّا وَرَدَ مَاۤءَ مَدۡیَنَ وَجَدَ عَلَیۡهِ أُمَّةࣰ مِّنَ ٱلنَّاسِ یَسۡقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَیۡنِ تَذُودَانِۖ قَالَ مَا خَطۡبُكُمَاۖ قَالَتَا لَا نَسۡقِی حَتَّىٰ یُصۡدِرَ ٱلرِّعَاۤءُۖ وَأَبُونَا شَیۡخࣱ كَبِیرࣱ"],"ayah":"وَلَمَّا وَرَدَ مَاۤءَ مَدۡیَنَ وَجَدَ عَلَیۡهِ أُمَّةࣰ مِّنَ ٱلنَّاسِ یَسۡقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَیۡنِ تَذُودَانِۖ قَالَ مَا خَطۡبُكُمَاۖ قَالَتَا لَا نَسۡقِی حَتَّىٰ یُصۡدِرَ ٱلرِّعَاۤءُۖ وَأَبُونَا شَیۡخࣱ كَبِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق