الباحث القرآني

﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ﴾ أَيْ: يُثَابُونَ، ﴿الْغُرْفَةَ﴾ أَيْ: الدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ فِي الْجَنَّةِ، وَ"الْغُرْفَةُ": كُلُّ بِنَاءٍ مُرْتَفِعٍ عَالٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يُرِيدُ غُرَفَ الدُّرِّ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ فِي الْجَنَّةِ، ﴿بِمَا صَبَرُوا﴾ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَاعَتِهِ. وَقِيلَ: عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ. وَقِيلَ: عَنِ الشَّهَوَاتِ ﴿وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ: بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ، كَمَا قَالَ: "فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا" [مريم: ٥٩] ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ كَمَا قَالَ: "وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا" [الإنسان: ١١] ، وَقَوْلُهُ: ﴿تَحِيَّةً﴾ أَيْ مُلْكًا، وَقِيلَ: بَقَاءً دَائِمًا، ﴿وَسَلَامًا﴾ أَيْ: يُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالسَّلَامِ، وَيُرْسِلُ الرَّبُّ إِلَيْهِمْ بِالسَّلَامِ. وَقِيلَ: "سَلَامًا" أَيْ: سَلَامَةً مِنَ الْآفَاتِ. ﴿خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ أَيْ: مَوْضِعَ قَرَارٍ وَإِقَامَةٍ. ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ: أَيْ: مَا يَصْنَعُ وَمَا يَفْعَلُ بِكُمْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُقَالُ: مَا عَبَأْتُ بِهِ شَيْئًا أَيْ: لَمْ أَعُدَّهُ، فَوُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ، مَجَازُهُ: أَيُّ وَزْنٍ وَأَيُّ مِقْدَارٍ لَكُمْ عِنْدَهُ، ﴿لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾ إِيَّاهُ، وَقِيلَ: لَوْلَا إِيمَانُكُمْ، وَقِيلَ: لَوْلَا عِبَادَتُكُمْ، وَقِيلَ: لَوْلَا دُعَاؤُهُ إِيَّاكُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِذَا آمَنْتُمْ ظَهَرَ لَكُمْ قَدْرٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَاهَا: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِخَلْقِكُمْ رَبِّي لَوْلَا عِبَادَتُكُمْ وَطَاعَتُكُمْ إِيَّاهُ يَعْنِي إِنَّهُ خَلَقَكُمْ لِعِبَادَتِهِ، كَمَا قَالَ: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" [الذاريات: ٥٦] وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ. وَقَالَ قَوْمٌ: "قُلْ مَا يَعْبَأُ" مَا يُبَالِي بِمَغْفِرَتِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ مَعَهُ آلِهَةً، أَوْ مَا يَفْعَلُ بِعَذَابِكُمْ لَوْلَا شِرْكُكُمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾ [النساء: ١٤٧] . وَقِيلَ: مَا يَعْبَأُ بِعَذَابِكُمْ لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ إِيَّاهُ فِي الشَّدَائِدِ، كَمَا قَالَ: "فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ" [العنكبوت: ٦٥] ، وَقَالَ: "فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ" [الأنعام: ٤٢] . وَقِيلَ: "قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ" يَقُولُ: مَا خَلَقْتُكُمْ وَلِي إِلَيْكُمْ حَاجَةٌ إِلَّا أَنْ تَسْأَلُونِي فَأُعْطِيَكُمْ وَتَسْتَغْفِرُونِي فَأَغْفِرَ لَكُمْ. ﴿فَقَدْ كَذَّبْتُمْ﴾ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، يُخَاطِبُ أَهْلَ مَكَّةَ، يَعْنِي: إِنِ اللَّهَ دَعَاكُمْ بِالرَّسُولِ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ فَقَدْ كَذَّبْتُمُ الرَّسُولَ وَلَمْ تُجِيبُوهُ. ﴿فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾ هَذَا تَهْدِيدُهُ لَهُمْ، أَيْ: يَكُونُ تَكْذِيبُكُمْ لِزَامًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَوْتًا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هَلَاكًا وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: قِتَالًا. وَالْمَعْنَى: يَكُونُ التَّكْذِيبُ لَازِمًا لِمَنْ كَذَّبَ، فَلَا يُعْطَى التَّوْبَةَ حَتَّى يُجَازَى بِعَمَلِهِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ [[انظر: تفسير الطبري: ١٩ / ٥٦-٥٧.]] عَذَابًا دَائِمًا لَازِمًا وَهَلَاكًا مُقِيمًا يُلْحِقُ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ يَوْمُ بَدْرٍ قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَأُسِرَ سَبْعُونَ. وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُجَاهِدٍ وَمُقَاتِلٍ، يَعْنِي: أَنَّهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَاتَّصَلَ بِهِمْ عَذَابُ الْآخِرَةِ، لَازِمًا لَهُمْ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: الدُّخَانُ، وَالْقَمَرُ، وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ، وَاللِّزَامُ" [[أخرجه البخاري في تفسير سورة الفرقان، باب: "فسوف يكون لزاما": ٨ / ٤٩٦، ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم، باب الدخان، برقم (٢٧٩٨) : ٤ / ٢١٥٧.]] ﴿فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾ وَقِيلَ: اللِّزَامُ هُوَ عَذَابُ الْآخِرَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب