الباحث القرآني
﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ يَعْنِي الْمَطَرَ ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ وَهُوَ الطَّاهِرُ فِي نَفْسِهِ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ، فَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُتَطَهَّرُ بِهِ، كَالسَّحُورِ اسْمٌ لِمَا يُتَسَحَّرُ بِهِ، وَالْفَطُورُ اسْمٌ لِمَا يُفْطَرُ بِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ فِي الْبَحْرِ: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" [[أخرجه الإمام مالك في الموطأ: ١ / ٢٢، وأبو داود في باب الوضوء بماء البحر: ١ / ٨٠، والترمذي في باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور: ١ / ٢٢٤-٢٢٥ وقال: "هذا حديث حسن صحيح"، والنسائي في الطهارة: ١ / ٥٠، ١٧٦، وابن ماجه في الوضوء بماء البحر: ١ / ١٣٦، ١٣٧، وصححه الحاكم: ١ / ١٤٠، وابن حبان برقم (١١٩) وابن خزيمة: ١ / ٥٩. والمصنف في شرح السنة: ٢ / ٥٥.
قال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث؟ فقال: هو حديث صحيح. قال البيهقي: وإنما لم يخرجه البخاري ومسلم بن الحجاج في الصحيح لأجل اختلاف وقع في اسم سعيد بن سلمة والمغيرة ابن أبي بردة. انظر: تلخيص الحبير: ١ / ٩.]] وَأَرَادَ بِهِ الْمُطَهِّرَ، فَالْمَاءُ مُطَهِّرٌ لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْحَدَثِ وَالنَّجَاسَةِ، كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: "وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ" [الأنفال: ١١] ، فَثَبَتَ بِهِ أَنَّ التَّطْهِيرَ يَخْتَصُّ بِالْمَاءِ.
وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ "الطَّهُورَ" هُوَ الطَّاهِرُ، حَتَّى جَوَّزُوا إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ بِالْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ، مِثْلَ الْخَلِّ وَمَاءِ الْوَرْدِ وَالْمَرَقِ وَنَحْوِهَا [[قال الجصاص في أحكام القرآن: (٥ / ٢٠١) "الطهور، على وجه المبالغة في الوصف له بالطهارة وتطهير غيره، فهو طاهر مطهر، كما يقال: رجل ضروب وقتول، أي: يضرب ويقتل، وهو مبالغة في الوصف له بذلك".]] . وَلَوْ جَازَ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهَا لَجَازَ إِزَالَةُ الْحَدَثِ بِهَا. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ "الطَّهُورَ" مَا يَتَكَرَّرُ مِنْهُ التَّطْهِيرُ، كَالصَّبُورِ اسْمٌ لِمَنْ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الصَّبْرُ، وَالشَّكُورُ اسْمٌ لِمَنْ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الشُّكْرُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، حَتَّى جَوَّزَ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الَّذِي تَوَضَّأَ مِنْهُ مَرَّةً [[في المدونة: (١ / ٤) "وقال مالك: لا يتوضأ بماء قد توضئ به مرة، قال: ولا خير فيه ... قلت: فلو لم يجد رجل ماء إلا ما قد توضئ به مرة، أيتيمم أم يتوضأ بما قد توضئ به مرة؟ قال: يتوضأ بذلك الماء الذي قد توضئ به مرة أحب إلي إذا كان الذي توضأ به طاهرا".]] . وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ شَيْءٌ غَيَّرَ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ أَوْ رِيحَهُ هَلْ تَزُولُ طَهُورِيَّتَهُ؟ نَظَرٌ: إِنْ كَانَ الْوَاقِعُ شَيْئًا لَا يُمْكِنُ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ، كَالطِّينِ وَالتُّرَابِ وَأَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ، لَا تَزُولُ، فَيَجُوزُ الطِّهَارَةُ بِهِ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ لِطُولِ الْمُكْثِ فِي قَرَارِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ فِيهِ مَا لَا يُخَالِطُهُ، كَالدُّهْنِ يَصُبُّ فِيهِ فَيَتَرَوَّحُ الْمَاءُ بِرَائِحَتِهِ يَجُوزُ الطِّهَارَةُ بِهِ، لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ لِلْمُجَاوِرَةِ لَا لِلْمُخَالَطَةِ. وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يُمْكِنُ صَوْنُ الْمَاءِ مِنْهُ وَيُخَالِطُهُ كَالْخَلِّ وَالزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِمَا تَزُولُ [طَهُورِيَّتُهُ فَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ. وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، يَنْظُرُ: إِنْ كَانَ الْوَاقِعُ فِيهِ شَيْئًا طَاهِرًا لَا تَزُولُ] [[ما بين القوسين ساقط من "ب".]] طَهُورِيَّتُهُ، فَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ فِيهِ شَيْئًا نَجِسًا، يَنْظُرُ: فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا أَقَلَّ مِنَ الْقُلَّتَيْنِ يَنْجُسُ الْمَاءُ، وَإِنْ كَانَ قَدْرَ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَهُوَ طَاهِرٌ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ. وَالْقُلَّتَانِ خَمْسُ قِرَبٍ، وَوَزْنُهُ خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ أَحْمَدَ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنِ الْمُنِيبِ، أَخْبَرَنَا جَرِيرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ وَمَا يَرِدُهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ؟ فَقَالَ: "إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَيْسَ يَحْمِلُ الْخَبَثَ" [[أخرجه أبو داود في الطهارة، باب ما ينجس من الماء: ١ / ٥٦، والترمذي في باب الماء لا ينجسه شيء: ١ / ٢١٥، والنسائي في باب التوقيت في الماء: ١ / ٤٦، وابن ماجه في مقدار الماء الذي لا ينجس: ١ / ١٧٢، والدارمي في الوضوء: ١ / ١٨٧، وابن خزيمة ١ / ٤٩، والشافعي في الأم: ١ / ٤، والإمام أحمد: ٢ / ٢٧.]] وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ: أَنَّ الْمَاءَ إِذَا بَلَغَ هَذَا الْحَدُّ لَا يَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ [[انظر بالتفصيل: الأوسط في السنن والإجماع، لابن المنذر: ١ / ٢٦٠ وما بعدها.]] .
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ لَا يَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ. وَاحْتَجُّوا بِمَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدِ الطَّاهِرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُوَجَّهِ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بن الفضل ٤٧/أأَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ؟ وَهِيَ بئر يلقى في الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ" [[أخرجه أبو داود في الطهارة، باب ما جاء في بئر بضاعة: ١ / ٧٣، والترمذي في باب ما جاء أن الماء طهور لا ينجسه شيء: ١ / ٢٠٣-٢٠٥ وقال هذا حديث حسن، وقد جود أبو أسامة هذا الحديث فلم يرو أحد حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد"، وأخرجه النسائي في باب ذكر بئر بضاعة: ١ / ١٧٤، وابن ماجه: ١ / ١٧٣، والشافعي: ١ / ١٢ من ترتيب المسند، والدارقطني: ١ / ١٣، والإمام أحمد: ٣ / ٣١، ٨٦، وصححه الحاكم.]] .
{"ayah":"وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ ٱلرِّیَـٰحَ بُشۡرَۢا بَیۡنَ یَدَیۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ طَهُورࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











