الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ الْآيَةَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غُلَامًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ مُدْلِجُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقْتَ الظَّهِيرَةِ لِيَدْعُوَهُ، فَدَخَلَ فَرَأَى عُمَرَ بِحَالَةٍ كَرِهَ عُمَرُ رُؤْيَتَهُ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ [[انظر: أسباب النزول للواحدي ص (٣٨٠) ، الكافي الشاف ص (١٢٠) .]] وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي أَسْمَاءَ بِنْتِ مَرْثَدٍ، كَانَ لَهَا غُلَامٌ كَبِيرٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فِي وَقْتٍ كَرِهَتْهُ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: إِنَّ خَدَمَنَا وَغِلْمَانَنَا يَدْخُلُونَ عَلَيْنَا فِي حَالٍ نَكْرَهُهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى [[عزاه السيوطي في "الدر": (٦ / ٢١٧) لابن أبي حاتم، وذكره الواحدي في أسباب النزول ص (٣٨٠) . وانظر: الكافي الشاف ص (١٢٠) ، وابن كثير: ٣ / ٣٠٤.]] "يَا أَيُّهَا الذين آمنوا ليستأنذكم: اللَّامُ لَامُ الْأَمْرِ. ﴿الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ يَعْنِي: الْعَبِيدَ وَالْإِمَاءَ، ﴿وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ﴾ مِنَ الْأَحْرَارِ، لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُمُ الْأَطْفَالَ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ، بَلِ الَّذِينَ عَرَفُوا أَمْرَ النِّسَاءِ وَلَكِنْ لَمْ يَبْلُغُوا. ﴿ثَلَاثَ مَرَّاتٍ﴾ أَيْ: لِيَسْتَأْذِنُوا فِي ثَلَاثِ أَوْقَاتٍ، ﴿مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ﴾ يُرِيدُ الْمَقِيلَ، ﴿وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ﴾ وَإِنَّمَا خَصَّ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّهَا سَاعَاتُ الْخَلْوَةِ وَوَضْعِ الثِّيَابِ، فَرُبَّمَا يَبْدُو مِنَ الْإِنْسَانِ مَا لَا يُحِبُّ أَنَّ يَرَاهُ أَحَدٌ، أَمَرَ الْعَبِيدَ وَالصِّبْيَانَ بِالِاسْتِئْذَانِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلْيَسْتَأْذِنُوا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ ﴿ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ: "ثَلَاثَ" بِنَصْبِ الثَّاءِ بَدَلًا عَنْ قَوْلِهِ: "ثَلَاثَ مَرَّاتٍ"، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ، أَيْ: هَذِهِ الْأَوْقَاتُ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ، سُمِّيَتْ هَذِهِ الْأَوْقَاتُ عَوْرَاتٍ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَضَعُ فِيهَا ثِيَابَهُ فَتَبْدُو عَوْرَتَهُ، ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ﴾ جُنَاحٌ، ﴿وَلَا عَلَيْهِمْ﴾ يَعْنِي: عَلَى الْعَبِيدِ وَالْخَدَمِ وَالصِّبْيَانِ، ﴿جُنَاحٌ﴾ فِي الدُّخُولِ عَلَيْكُمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، ﴿بَعْدَهُنَّ﴾ أَيْ: بَعْدَ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ، ﴿طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ﴾ أَيْ: الْعَبِيدُ وَالْخَدَمُ يَطُوفُونَ عَلَيْكُمْ فَيَتَرَدَّدُونَ وَيَدْخُلُونَ وَيَخْرُجُونَ فِي أَشْغَالِهِمْ بِغَيْرِ إِذْنٍ، ﴿بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ أَيْ: يَطُوفُ، ﴿بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ: فَقَالَ قَوْمٌ: مَنْسُوخٌ [[حكى ذلك عن سعيد بن المسيب، وحكاه القرطبي أيضا عن سعيد بن جبير، وهو خلاف الرواية عنه. انظر: زاد المسير: ٦ / ٦٢، القرطبي: ١٢ / ٣٠٢.]] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ سُتُورٌ وَلَا حِجَابٌ [[في "الدر المنثور" و"القرطبي": (حجال) جمع (حَجَلَة) وهو بيت كالقبة يستر بالثياب ويكون له أزرار كبار.]] ، فَكَانَ الْخَدَمُ وَالْوَلَائِدُ يَدْخُلُونَ فَرُبَّمَا يَرَوْنَ مِنْهُمْ مَا لَا يُحِبُّونَ، فَأُمِرُوا بِالِاسْتِئْذَانِ، وَقَدْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ وَاتَّخَذَ النَّاسُ السُّتُورَ فَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ أَغْنَى عَنِ الِاسْتِئْذَانِ [[عزاه السيوطي لأبي داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي. وانظر: الدر المنثور: ٦ / ٢١٩. قال القرطبي: (١٢ / ٣٠٣) : "هذا متن حسن، وهو يرد قول سعيد وابن جبير، فإنه ليس فيه دليل على نسخ الآية، ولكن على أنها كانت على حال ثم زالت، فإن كان مثل ذلك الحال فحكمها قائم كما كان، بل حكمها لليوم ثابت في كثير من مساكن المسلمين في البوادي والصحاري ونحوها".]] وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، رَوَى سُفْيَانُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ الشَّعْبِيَّ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: "لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" أَمَنْسُوخَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، قُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ لَا يَعْمَلُونَ بِهَا، قَالَ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ [[أخرجه الطبري: ١٨ / ١٦٢-١٦٣، ونسبه السيوطي: ٦ / ٣١٩ للفريابي.]] وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ نُسِخَتْ، وَاللَّهِ مَا نُسِخَتْ، وَلَكِنَّهَا مِمَّا تَهَاوَنَ بِهِ النَّاسُ [[أخرجه الطبري: ١٨ / ١٦٣.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب