الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ قِيلَ: جَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَعْدَاءَ اللَّهِ "حَقَّ جِهَادِهِ" هُوَ اسْتِفْرَاغُ الطَّاقَةِ فِيهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: لَا تَخَافُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ فَهُوَ حَقُّ الْجِهَادِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ﴾ (المَائِدَةِ: ٥٤) . قَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: اعْمَلُوا لِلَّهِ حَقَّ عَمَلِهِ وَاعْبُدُوهُ حَقَّ عِبَادَتِهِ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: نَسَخَهَا قَوْلُهُ [[انظر فيما سبق: ٣ / ٢ تعليق (١) .]] ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ (التَّغَابُنِ: ١٦) ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: "حَقُّ الْجِهَادِ": أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ خَالِصَةً صَادِقَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: هُوَ مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ وَالْهَوَى، وَهُوَ الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ، وَهُوَ حَقُّ الْجِهَادِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكٍ قَالَ: "رَجَعْنَا مِنَ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ" [[قال ابن حجر في الكافي الشاف ص ١١٤: "ذكره الثعلبي بغير سند، وأخرجه البيهقي في "الزهد" من حديث جابر، قال: قدم على رسول الله ﷺ قوم غزاة، فقال: قدمتم بخير مقدم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، قيل: وما الجهاد الأكبر؟ قال: مجاهدة العبد هواه" قال: فيه ضعف قلت - ابن حجر - هو من رواية عيسى ابن إبراهيم عن يحيى بن يعلى عن ليث ابن أبي سليم، والثلاثة ضعفاء، وأورده النسائي في "الكنى" من قول إبراهيم بن أبي عبلة، أحد التابعين من أهل الشام. ورواه الخطيب البغدادي في التاريخ: ١٣ / ٤٩٣، ونسبه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: ٣ / ٧ للبيهقي وقال: هذا إسناد فيه ضعف انظر كشف الخفاء: ١ / ٥١١، ضعيف الجامع الصغير: ١٤ / ١١٨، الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة للقاري ص ٢١١ - ٢١٢.]] وَأَرَادَ بِالْجِهَادِ الْأَصْغَرِ الْجِهَادَ مَعَ الْكُفَّارِ، وَبِالْجِهَادِ الْأَكْبَرِ الْجِهَادَ مَعَ النَّفْسِ. ﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ﴾ أَيِ: اخْتَارَكُمْ لِدِينِهِ، ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ ضِيقٍ، مَعْنَاهُ: أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُبْتَلَى بِشَيْءٍ مِنَ الذُّنُوبِ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْهُ مَخْرَجًا، بَعْضُهَا بِالتَّوْبَةِ، وَبَعْضُهَا بِرَدِّ الْمَظَالِمِ وَالْقِصَاصِ، وَبَعْضُهَا بِأَنْوَاعِ الْكَفَّارَاتِ، فَلَيْسَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ ذَنْبٌ لَا يَجِدُ الْعَبْدُ سَبِيلًا إِلَى الْخَلَاصِ مِنَ الْعِقَابِ فِيهِ. وَقِيلَ: مِنْ ضِيقٍ فِي أَوْقَاتِ فُرُوضِكُمْ مِثْلَ هِلَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالْفِطْرِ وَوَقْتِ الْحَجِّ إِذَا الْتَبَسَ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ، وَسَّعَ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَتَيَقَّنُوا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي الرُّخَصَ عِنْدَ الضَّرُورَاتِ، كَقَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ، وَالتَّيَمُّمِ، وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالْإِفْطَارِ بِالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ، وَالصَّلَاةِ قَاعِدًا عِنْدَ الْعَجْزِ. وَهُوَ قَوْلُ الْكَلْبِيِّ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْحَرَجُ مَا كَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْآصَالِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ، وَضَعَهَا اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ [[عزاه السيوطي في الدر المنثور: ٦ / ٧٨ لابن أبي حاتم بلفظ: (الإصر الذي كان على بني إسرائيل وضع عنكم) .]] . ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ أَيْ كَلِمَةَ أَبِيكُمْ، نُصِبَ بِنَزْعِ حَرْفِ الصِّفَةِ. وَقِيلَ: نُصِبَ عَلَى الْإِغْرَاءِ، أَيِ: اتَّبِعُوا مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ، [وَإِنَّمَا أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ] [[ما بين القوسين ساقط من "ب".]] لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي مِلَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ﴾ وَلَيْسَ كُلُّ الْمُسْلِمِينَ يَرْجِعُ نَسَبُهُمْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ؟ . قِيلَ: خَاطَبَ بِهِ الْعَرَبَ وَهُمْ كَانُوا مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ. وَقِيلَ: خَاطَبَ بِهِ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِبْرَاهِيمُ أَبٌ لَهُمْ، عَلَى مَعْنَى وُجُوبِ احْتِرَامِهِ وَحِفْظِ حَقِّهِ كَمَا يَجِبُ احْتِرَامُ الْأَبِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ (الْأَحْزَابِ: ٦) ، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ [لِوَالِدِهِ] [[زيادة من "ب".]] " [[قطعة من حديث أخرجه أبو داود في الطهارة، باب: كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة: ١ / ١٨ بلفظ: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد) ، والنسائي في الطهارة، باب: النهي عن الاستطابة بالروث: ١ / ٣٨، وابن ماجه في الطهارة، باب: الاستنجاء بالحجارة والنهي عن الروثة والرمة: ١ / ١١٤ برقم (٣١٣) ، والدارمي ١١ / ١٧٢ - ١٧٣، وصححه ابن حبان برقم (١٢٨) ص (٦٢) ، وابن خزيمة: ١ / ٤٤ والشافعي: ١ / ٢٨، والمصنف في شرح السنة: ١ / ٣٥٦ وقال هذا حديث صحيح.]] . ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ﴾ يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاكُمُ ﴿الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ يَعْنِي مِنْ قَبْلِ نُزُولِ الْقُرْآنِ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ. ﴿وَفِي هَذَا﴾ أَيْ: فِي الْكِتَابِ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: "هُوَ" يَرْجِعُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَيْ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَيَّامِهِ، مِنْ قَبْلِ هَذَا الْوَقْتِ، وَفِي هَذَا الْوَقْتِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ (البَقَرَةِ: ١٢٧) ، ﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ﴾ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ قَدْ بَلَّغَكُمْ، ﴿وَتَكُونُوا﴾ أَنْتُمْ، ﴿شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ أَنَّ رُسُلَهُمْ قَدْ بَلَّغَتْهُمْ، ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ﴾ أَيْ: ثِقُوا بِاللَّهِ وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ. قَالَ الْحَسَنُ: تَمَسَّكُوا بِدِينِ اللَّهِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ يَعْصِمَكُمْ مِنْ كُلِّ مَا يَكْرَهُ [[انظر زاد المسير ٥ / ٤٥٧.]] . وَقِيلَ: مَعْنَاهُ ادْعُوهُ لِيُثَبِّتَكُمْ عَلَى دِينِهِ. وَقِيلَ: الِاعْتِصَامُ بِاللَّهِ هُوَ التَّمَسُّكُ بِالْكِتَابِ وَالسَّنَةِ، ﴿هُوَ مَوْلَاكُمْ﴾ [وَلِيُّكُمْ] [[ساقط من "ب".]] وَنَاصِرُكُمْ وَحَافِظُكُمْ، ﴿فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ النَّاصِرُ لَكُمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب