الباحث القرآني

﴿يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ﴾ إِنْ عَصَاهُ وَلَمْ يَعْبُدْهُ، ﴿وَمَا لَا يَنْفَعُهُ﴾ إِنْ أَطَاعَهُ وَعَبَدَهُ، ﴿ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾ عَنِ الْحَقِّ وَالرُّشْدِ. ﴿يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ﴾ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْقُرْآنِ وَفِيهَا أَسْئِلَةٌ: أَوَّلُهَا قَالُوا: قَدْ قَالَ اللَّهُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى "يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ"، وَقَالَ هَاهُنَا: "لَمَنْ ضُرُّهُ أَقْرَبُ"، فَكَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا؟ قِيلَ قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى "يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ" أَيْ: لَا يَضُرُّهُ تَرْكُ عِبَادَتِهِ، وَقَوْلُهُ: ﴿لَمَنْ ضُرُّهُ أَقْرَبُ﴾ أَيْ: ضَرُّ عِبَادَتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ: "لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ" وَلَا نَفْعَ فِي عِبَادَةِ الصَّنَمِ أَصْلًا؟. قِيلَ: هَذَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لِمَا لَا يَكُونُ أَصْلًا بَعِيدٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾ (ق:٣) أَيْ: لَا رَجْعَ أَصْلًا فَلَمَّا كَانَ نَفْعُ الصَّنَمِ بَعِيدًا، عَلَى مَعْنَى: أَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ أَصْلًا قِيلَ: ضَرُّهُ أَقْرَبُ، لِأَنَّهُ كَائِنٌ. السُّؤَالُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ ﴿لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ﴾ مَا وَجْهُ هَذِهِ اللَّامِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ صِلَةٌ، مَجَازُهَا: يَدْعُو مَنْ ضُرُّهُ أَقْرَبُ [[انظر مسائل الرازي وأجوبتها ص ٢٧٢.]] وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ. وَقِيلَ: "لَمَنْ ضَرُّهُ" أَيْ إِلَى الَّذِي ضَرُّهُ أَقْرَبُ مَنْ نَفْعِهِ. وَقِيلَ: "يَدْعُو" بِمَعْنَى يَقُولُ: وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، أَيْ يَقُولُ: لِمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ هُوَ إِلَهٌ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ يَدْعُو، فَحَذَفَ يَدْعُو الْأَخِيرَةَ اجْتِزَاءً بِالْأُولَى، وَلَوْ قَلْتَ: يَضْرِبُ لَمَنْ خَيْرُهُ أَكْثَرُ مِنْ شَرِّهِ يَضْرِبُ، ثُمَّ يُحْذَفُ الْأَخِيرُ جَازَ. وَقِيلَ: عَلَى التَّوْكِيدِ، مَعْنَاهُ: يَدْعُو وَاللَّهِ لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ. وَقِيلَ: "يَدْعُو مَنْ" صِلَةُ قَوْلِهِ: "ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ" يَقُولُ: ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ يَدْعُو، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: "لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ" فَيَكُونُ "مَنْ" فِي مَحَلِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ: ﴿لَبِئْسَ الْمَوْلَى﴾ أَيِ النَّاصِرُ. وَقِيلَ: الْمَعْبُودُ. ﴿وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ﴾ أَيِ: الصَّاحِبُ وَالْمُخَالِطُ، يَعْنِي: الْوَثَنَ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الزَّوْجَ عَشِيرًا لِأَجْلِ الْمُخَالَطَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب